عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُوسَى بن خضر الخياري الشَّافِعِي نزيل الْمَدِينَة المنورة وخطيبها ومحدثها الإِمَام الْكَبِير الْجَلِيل الشَّأْن الْمَشْهُور فِي الْآفَاق أَخذ بِمصْر عَن الجلة من الْمَشَايِخ وشيوخه كَثِيرُونَ مِنْهُم النُّور الزيَادي وَهُوَ أَجلهم وَمِنْهُم أَبُو بكر الشنواني وَأحمد الغنيمي وَالشَّيْخ مُحَمَّد الخفاجي وَمن فِي طبقتهم من عُلَمَاء ذَلِك الْعَصْر وأجازوه وشهدوا لَهُ بِالْفَضْلِ وتصدر للإقراء بِجَامِع الْأَزْهَر ولازمه جمع من أكَابِر الشُّيُوخ وَأخذُوا عَنهُ الْعلم مِنْهُم النُّور الشبراملسي وَكَانَ يثني عَلَيْهِ كثيرا ويطرز درسه بِذكرِهِ وَيُشِير إِلَى جلالة قدره وَكَانَ هُوَ وَالشَّيْخ عَليّ الْحلَبِي صَاحب السِّيرَة كفرسي رهان وفارسي ميدان وَكَانَا إِذا مرا فِي الْأَزْهَر يُقَال أقبل السعد وَالسَّيِّد ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة المنورة وسكنها بِإِذن من النَّبِي

حكى ذَلِك الشهَاب البشبيشي وَكَانَ وُصُوله إِلَيْهَا فِي أواسط الْمحرم سنة تسع وَعشْرين وَألف وانتفع بِهِ أَهلهَا للأخذ عَنهُ والتلقي مِنْهُ وَكَانَ لَهُ يَد طولى فِي جَمِيع الْفُنُون مَعَ السكينَة وَالْوَقار وَيُقَال إِنَّه كَانَ يرى رَسُول الله

عيَانًا وَاتفقَ لَهُ أَن ختم كتابا فِي الحَدِيث وَشرع فِي الدُّعَاء ثمَّ وقف منتصباً رَافعا يَدَيْهِ كالمؤمّن على الدُّعَاء فَقَامَ أهل الدَّرْس من طلبة وَغَيرهم ثمَّ طَال وُقُوفه بِحَيْثُ أَن بَعضهم تَعب من الْوُقُوف وَذهب وَبَقِي الواقفون متعجبون مِنْهُ وَهُوَ مطرق وَكَأَنَّهُ فِي غير شُعُور فَبعد خَتمه الدُّعَاء قَالَ لَهُ بعض أخصائه من تلامذته مَا هَذَا الْوُقُوف يَا سَيِّدي فَإِنَّهُ لم يعْهَد لَك مثله فَقَالَ وَالله مَا وقفت إِلَّا وَقد رَأَيْت رَسُول الله

وَاقِفًا يَدْعُو لنا فاستمريت منتظراً حَتَّى فرغ من دُعَائِهِ وَهَذِه من كراماته وَذكره الخفاجي فِي كِتَابه الخبايا فَقَالَ فِي وَصفه دوحة الزَّمَان بسام طليق وَعوده بُسْتَان وريق فَاضل جمع الْفضل فَهُوَ مُنْتَهى الجموع وكامل كَمَاله كثمار الْجنَّة غير مَقْطُوع وَلَا مَمْنُوع شَقِيق روحي وصديقها وَرَيْحَان مسرتي وشقيقها

(وَنَفس بأعقاب الْأُمُور بَصِيرَة ... لَهَا من طباع الْغَيْب حاد وقائد)

يلوح من بشره نور الْفَلاح وَمن سكينته وقار الصّلاح كأنّ الله جمع لَهُ المناقب فَاخْتَارَ مِنْهَا وانتقى وَرَأى أَن أحْسنهَا وَأَكْرمهَا التقى لَهُ فِي الْفُنُون يَد بَيْضَاء وَفِي الْأَدَب سجية سَمْحَة خضراء وَلما علم أَن الله أوصى بالجار رَحل لطيبة الطّيبَة وَسكن فِي جوَار النَّبِي الْمُخْتَار فَدخل رَوْضَة من رياض الْجنَّة فِي جناته وَإِذا أنعم الله بِنِعْمَة على عَبده فِي حَيَاته لَا يسلبها إِلَّا بعد مماته فَكتبت لَهُ متشوقاً للقائه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015