ثمَّ بعد ذَلِك عزل المترجم عَن قَضَاء طرابلس وَأمر بالتوجه إِلَى مصر وَأعْطى قَضَاء الجيزة فَرَحل من دمشق إل مصر وَأقَام بهَا مُدَّة حَيَاته مُعظما مبجلا وَكَانَ كبراء مصر وعلماؤها يهرعون إِلَيْهِ ويعظمون حَضرته التَّعْظِيم البليغ ويقبلون شَفَاعَته وَكَانَ يدرس فِي بَيته التَّفْسِير فيحضره الْفُضَلَاء المشهورون من فضلاء مصر وَكَانَ كثير الاعتناء بالكشاف دَائِم المطالعة فِيهِ ويحفظ أَكثر أبحاثه عَن ظهر قلب وَبِالْجُمْلَةِ ففضائله وأحواله مِمَّا يطرز بهَا كم الْمجد وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة ثَلَاث بعد الْألف وَتُوفِّي بِمصْر فِي أواسط جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف
عبد الرَّحْمَن بن حسن بن شيخ بن حسن بن شيخ بن عَليّ بن شيخ بن عَليّ بن مُحَمَّد مولى الدويلة الشَّيْخ الْجَلِيل الْكَبِير أحد عُلَمَاء الْيمن وكبرائها ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن واشتغل بِطَلَب الْعلم واجتهد فِي التصوف وَأخذ عَن عُلَمَاء كثيرين وَصَحب جمَاعَة وواظب على مصاحبة أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح وَلزِمَ الطَّرِيقَة الحميدة ورحل إِلَى الْيمن وَأخذ بهَا عَن جمَاعَة وَأقَام فِي بندر المخا وَحصل لَهُ بِهِ قبُول تَامّ وانتشر ذكره وَاسْتمرّ هُنَاكَ إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع عشرَة بعد الْألف
عبد الرَّحْمَن بن زين العابدين بن مُحَمَّد بن أبي الْحسن الْبكْرِيّ الصديقي سبط آل الْحسن القاهري الاستاذ الشهير السَّامِي الْقدر الجم الْفَضَائِل كَانَ من كبار الْعلمَاء وأرباب الْأَحْوَال وَهُوَ الْأَوْسَط من أَوْلَاد الاستاذ الْأَعْظَم زين العابدين وهم أَحْمد وَقد تقدم ذكره وَعبد الرَّحْمَن هَذَا والاستاذ مُحَمَّد وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد رَأَيْت لعبد الرَّحْمَن هَذَا تَرْجَمَة بِخَط الْأَخ الْفَاضِل مصطفى بن فتح الله قَالَ فِيهَا هُوَ شيخ الْمَشَايِخ السَّادة الجلة الْعِظَام وَرَئِيس رُؤَسَاء القادة الفخام يم الْفضل الَّذِي يُفِيد وَيفِيض وجم الْفضل الَّذِي لَا ينضب وَلَا يغيض الْمُحَقق الَّذِي لَا يراع لَهُ يراع والمدقق الَّذِي راق فَضله وراع المفنن فِي جَمِيع الْفُنُون والمفتخر بِهِ الْآبَاء والبنون قَرَأَ على أَخِيه أَحْمد وَبِه تخرج وبرع وتفوق وَأخذ عَن الْعَلامَة جودة الضَّرِير الْمَالِكِي عُلُوم الْعَرَبيَّة وَقَامَ بعد أَخِيه الْمَذْكُور مقَامه فِي التدريس فنشر للفضل حللاً مطرزة الأكمام وماط عَن مباسم أزهار الْعُلُوم لثام الاختتام وَكَانَ ينظم الشّعْر وَمن شعره قَوْله
(بِاللَّه أَي فَتى مثلي بكم فتنا ... يبكي فيبكى حَماما فِي الدجى شجنا)
(أنفاسه كلهيب الْبَرْق وامضة ... وَقَلبه برعود الشوق ماسكنا)