(عزلك يَا ابْن الحسام مَا تمّ ... وَمن يجي بعد كم فَمَا تمّ)
وسافر إِلَى الرّوم وَأقَام بهَا مدّة معزولا ثمَّ صَار قَاضِي دَار السلطنة وَكَانَ ذَلِك فِي حَيَاة وَالِده وَكَانَ وَالِده معزولا عَن قَضَائهَا فساواه فِي الرُّتْبَة وَهَذَا من أغرب مَا وَقع بَين موَالِي الرّوم وَقد اتّفق لَهُ أَيْضا أَنه لما انْتقل وَالِده بالوفاة فِي صفر سنة أَربع وَخمسين وَألف وَجه إِلَيْهِ مَا بِيَدِهِ من وَظِيفَة وَقَضَاء تأبيدا ثمَّ بعد مُدَّة صَار قَاضِيا بعسكر أناطولي وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَخمسين فَقَالَ ابْن عَم وَالِدي الأديب مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي المحبي القَاضِي فِي تَارِيخ تَوليته وَكَانَ أذذاك بقسطنطينة
(لما تولى الْعَالم ابْن الحسام ... قَاضِي العساكر أوحد الْأَعْلَام)
(صدر الموَالِي الحبر والكثز الَّذِي ... كَأبي حنيفَة مَا هد الْأَحْكَام)
(فَهُوَ الَّذِي افتخر الزَّمَان بعد لَهُ ... وبحكمه بالروم غب الشَّام)
(فلذاك عَام السعد قَالَ مؤرخاً ... بشرى الورى بالعادل ابْن حسام)
ثمَّ صَار قَاضِيا بِولَايَة الرّوم فِي ثَانِي شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَلما وَقعت فتْنَة الْوَزير الْأَعْظَم ابشير عزل الْمُفْتِي أَبُو سعيد بن أسعد فصيرا بن الحسام صَاحب التَّرْجَمَة مفتيا مَكَانَهُ وَذَلِكَ فِي رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ ثمَّ عزل فِي عَاشر جُمَادَى الأولى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأعْطى قَضَاء الْقُدس وَصَارَ مفتيا مَكَانَهُ الْمولى مصطفى الْمَعْرُوف بممك زَاده نصف لَيْلَة وَفِي ثَانِي يَوْم قَامَ الْعَسْكَر فِي الصَّباح وعزلوه وأرسلوه إِلَى حلب وَمَات بهَا ورحل ابْن الحسام من الرّوم فورد دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة وَبدل عَن قَضَاء الْقُدس بِقَضَاء طرابلس الشَّام وَأرْسل إِلَيْهَا نَائِبا وَاسْتقر هُوَ بِدِمَشْق وَفِي أَيَّام استقراره هَذَا أَشَارَ إِلَى وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى بِجمع ديوَان الْأَمِير المنجكي فَجمع أَكثر شعره وعنونه باسم ابْن الحسام وَهُوَ المتداول الْآن فِي أَيدي النَّاس وَكَانَ لصَاحب التَّرْجَمَة ولد اسْمه أسعد بَقِي فِي الرّوم وَكَانَ من مدرسي إِحْدَى الْمدَارِس الثمان فورد عَلَيْهِ خبر مَوته وَهُوَ بِدِمَشْق فَحزن لمَوْته حزنا عَظِيما وَكَانَ وَلَده هَذَا من الْفُضَلَاء الْمَشْهُورين والأدباء الْمَذْكُورين وَحكى لي وَالِدي روح الله تَعَالَى روحه قَالَ بَلغنِي أَنه لما مَاتَ رثاه الْفَاضِل مصطفى البابي بقصيدة فائية قَالَ وأنشدتها فَلم يعلق فِي فكري مِنْهَا شَيْء فَبعد إِتْمَامهَا بأيام رَآهُ البابي فِي الْمَنَام فَقَالَ لَهُ مَا فعل الله بك فَأَجَابَهُ بِهَذَا الْبَيْت وَهُوَ من بَحر القصيدة ورويها
(لقد لطف الْمولى بِنَا فأراحنا ... وأغلب ظَنِّي أَنه بك يلطف)