(كَأَنَّمَا جفْنه سحب الشتَاء إِذا ... كانونها بهمير الدمع قد هتنا)
(قد صَار من شغف فِيكُم من أَسف ... حَلِيف وجد وأشجان بكم وضنى)
(وَأَن يُنَادي مُنَاد كل نَاحيَة ... من عذب الْحبّ والهجران قلت أَنا)
(وَالله مَا ملت عَنْكُم بعدكم أبدا ... وَلَا مللت سهاداً أحرم الوسنا)
(وإنني عَابِد الرَّحْمَن منتسب ... إِلَى صديق نَبِي أوضح السننا)
(أبي هُوَ القطب زين العابدين وَمن ... فِي سبل أهل الْمَعَالِي اقتفى السننا)
وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الْخَمِيس خَامِس شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف من غير مرض وَدفن يَوْم الْجمع بالقرافة الْكُبْرَى بتربة أسلافه
عبد الرَّحْمَن بن شحاذة الْمَعْرُوف باليمني الشَّافِعِي شيخ الْقُرَّاء وَإِمَام المجودين فِي زَمَانه وفقيه عصره وشهرته تغنى عَن الْأَطْنَاب فِي وَصفه ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَقَرَأَ بالروايات السَّبع على وَالِده من أول الْقُرْآن إِلَى قَوْله تَعَالَى فَكيف إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد إِلَى آخر الْآيَة ثمَّ توفّي وَالِده فاستأنف الْقِرَاءَة جمعا للسبعة ثمَّ للعشرة على تلميذ وَالِده الشهَاب أَحْمد بن عبد الْحق السنباطي وَحضر دروس الشَّمْس الرَّمْلِيّ فِي الْفِقْه مُدَّة ولازم بعده النُّور والزيادي وَبِه تخرج وَأخذ عُلُوم الْأَدَب عَن كثيرين حَتَّى بلغ الْغَايَة فِي الْعُلُوم وانتهت إِلَيْهِ رياسة علم القراآت وَكَانَ شَيخا مهاباً عَظِيم الْهَيْئَة حسن الْوَجْه والحلية جليل الْمِقْدَار عِنْد عَامَّة النَّاس وخاصتهم وَكَانَ يقْرَأ فِي كل سنة كتابا من كتب الْفِقْه الْمُعْتَبرَة وَكَانَ النُّور الشبراملسي من ملازمي دروسه الْفِقْهِيَّة وَغَيرهَا وَكَانَ لَا يفتر عَن الثَّنَاء عَلَيْهِ فِي مجالسه وَكَانَ هُوَ شَدِيد الْمحبَّة للشبراملسي وَاتفقَ للشبراملسي أَنه حضر بعض معاصريه فِي شرح التَّلْخِيص للسعد فَبَلغهُ ذَلِك فَقَالَ لَهُ لما أَتَى إِلَى الدَّرْس بَلغنِي أَنَّك تحضر فلَانا وَإنَّك وَالله أفضل مِنْهُ وَحلف عَلَيْهِ بِالطَّلَاق الثَّلَاث أَن لَا يحضر دروسه فِيمَا بعد فامتثل أمره وَكَانَ يتعاطى التِّجَارَة وَله أَمْوَال كَثِيرَة زَائِدَة الْوَصْف وَكَانَ كثير الْبر لطلبة الْعلم والفقراء وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ من أهل الْخَيْر وَالدّين وأكابر أَوْلِيَاء الله تَعَالَى العارفين وَمِمَّنْ قَرَأَ عَلَيْهِ بالروايات الشبراملسي الْمَذْكُور وَالشَّيْخ عبد السَّلَام بن إِبْرَاهِيم اللَّقَّانِيّ وَالشَّيْخ عبد الْبَاقِي الْحَنْبَلِيّ الدِّمَشْقِي وَمُحَمّد البقري وشاهين الأرمناوي وغالب قراء جِهَات الْحجاز وَالشَّام ومصر أخذُوا عَنهُ هَذَا الْعلم وانتفعوا بِهِ وَعم نفعهم ببركته وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة