فَمَكثَ كَذَلِك فَإِذا الرجل ينشد

(تعودت مس الضّر حَتَّى ألفته ... وأسلمي حسن العزاء إِلَى الصَّبْر)

(وصيرني يأسي من النَّاس واثقا ... بِحسن صَنِيع الله من حَيْثُ لَا أَدْرِي)

فَاسْتحْسن أَبُو الْعَتَاهِيَة الْبَيْتَيْنِ وتبرك بهما قَالَ وثاب عَقْلِي إِلَيّ فَقلت لَهُ تفضل بإعادتهما فَقَالَ مَا أَسْوَأ أدبك دخلت فَلم تسلم ثمَّ لما سَمِعت مني بَيْتَيْنِ من الشّعْر الَّذِي لم يَجْعَل الله فِيك خيرا وَلَا أدبا وَلَا معاشا غَيره طفقت تستنشدني مبتديا كَأَن بَيْننَا أنسا وسالف مَوَدَّة توجب بسط الْقَبْض فَقلت اعذرني فَقَالَ وفيم أَنْت تركت الشّعْر الَّذِي هُوَ جاهك عِنْدهم وسببك إِلَيْهِم وَلَا بُد أَن تَقوله فَتطلق وَأَنا يدعى بِي فأطلب بِعِيسَى بن زيد بن رَسُول الله

فَإِن دللت عَلَيْهِ لقِيت الله تَعَالَى بدمه وَكَانَ رَسُول الله

خصمي فِيهِ وَإِلَّا قتلت فَأَنا أولى بِالْحيرَةِ مِنْك وَهَا أَنْت ترى صبري واحتسابي ثمَّ أعَاد لي الْبَيْتَيْنِ حَتَّى حفظهما ثمَّ دعى بِي وَبِه فَقلت لَهُ من أَنْت فَقَالَ أَنا حَاضر صَاحب عِيسَى بن زيد فأدخلنا على الْمهْدي فَقَالَ للرجل أَيْن عِيسَى فَقَالَ وَمَا يدريني تطلبته فهرب مِنْك فِي الْبِلَاد وحبستني فَمن أَيْن أَقف على خَبره قَالَ لَهُ مَتى كَانَ متواريا وَأَيْنَ آخر عَهْدك بِهِ وَعند من ليقته قَالَ مَا لَقيته مُنْذُ توارى وَلَا عرفت لَهُ خَبرا قَالَ وَالله للتدلن عَلَيْهِ أَولا أضربن عُنُقك السَّاعَة فَقَالَ اصْنَع مَا بدا لَك فوَاللَّه لَا أدلك على ابْن رَسُول الله وَألقى الله وَرَسُوله بدمه وَلَو كَانَ بَين ثوبي وجلدي مَا كشفت لَك عَنهُ قَالَ اضربوا عُنُقه فَأمر بِهِ فَضربت عُنُقه ثمَّ دَعَا بِي وَقَالَ أَتَقول الشّعْر أَو ألحقك بِهِ قلت بل أَقُول قَالَ أَطْلقُوهُ فأطلقت وَقد روى أَبُو عَليّ التنوخي فِي الْبَيْتَيْنِ زِيَادَة بَيت ثَالِث وَهُوَ

(إِذا أَنا لم أقنع من الدَّهْر بِالَّذِي ... تكرهت مِنْهُ طَال عتبي على الدَّهْر)

انْتهى قَالَ المترجم فاستحسنت هَذِه الأبيات وذيلت عَلَيْهَا بِقَوْلِي

(وَفِي صرفه شغل عَن العتب صَارف ... كشغل غريق الْبَحْر عَن دُرَر الْبَحْر)

(وَمَا الدَّهْر وَالْأَيَّام وَالْوَقْت والورى ... سوى الْفَاعِل الْمُخْتَار رجل عَن الْحصْر)

(وَعَن حِكْمَة تجْرِي مقادير عَالم ... لموقع نفع العَبْد من موقع الضّر)

(وَأَنت إِذا حققت إِن كنت عَارِفًا ... شغلت مَكَان العتب بِالْحَمْد وَالشُّكْر)

(فعتبك للأيام غير مصادف ... محلا إِذْ الْأَيَّام أَنْت وَلَا تَدْرِي)

(فَكُن ذَا سكُوت فِي مجاري الْقَضَاء أَو ... تأسف فَإِن الْكل فِي قَبْضَة الْأَمر)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015