انهزامهم فَلَا يدل على عدم شحاعتهم حَتَّى يخل بالفخر فَإِن الشجاع ينهزم مِمَّن هُوَ أَشْجَع مِنْهُ وَلذَا قيل الْفِرَار مِمَّا لَا يُطَاق من سنَن الْأَنْبِيَاء كَمَا فر مُوسَى حِين هم بِهِ القبط وَأما ماذكره من معنى الْعين والحاجب فسخيف وتخيل ضَعِيف على أَن جعل الْعين والحاجب بِمَعْنى الرئيس والمرؤوس فَمن الْعَجَائِب وَمَا ذكره من النَّقْد عَلَيْهِ نَقله ابْن الشّحْنَة فِي أَمَالِيهِ عَن الشريف المرتضى وَقَالَ إِنَّه عيب عَلَيْهِ قَوْله فِي ظُهُورهمْ وَقَالَ لَو قَالَ فِي صُدُورهمْ كَانَ أمدح لِأَن الطعْن وَالضَّرْب فِي الصَّدْر أدل على الْإِقْدَام والشجاعة للطاعن والضارب والمطعون والمضروب لِأَن الرجل إِذا وصف قرينه بالإقدام مَعَ ظُهُوره عَلَيْهِ كَانَ أمدح من وَصفه بالانهزام فَلِذَا قَالَ أَبُو تَمام
(حرَام على أرماحنا طعن مُدبر ... وتندق فِي أعلا الصُّدُور صدورها)
وَقد عرفت جَوَابه مِمَّا تقدم فَتذكر انْتهى وأخبار عبد الْحق وآثاره كَثِيرَة وَفِي الَّذِي أوردناه لَهُ كِفَايَة وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وأقعد بالفالج نَحْو سنتَيْن ثمَّ توفّي نَهَار الاحد خَامِس عشر شهر رَمَضَان وَقت الْغَدَاة من سنة عشْرين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير عِنْد قبر أَبِيه وَوضع على قَبره تَابُوت من دون قبر أَبِيه وَبَينه وَبَين وَالِده فِي الْوَفَاة أحد وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَقَالَ وَلَده القَاضِي إِسْمَاعِيل الْمُقدم ذكره يرثيه بِهَذِهِ الأبيات وفيهَا تاريح وَفَاته
(طرف تقرح من دم متدفق ... وحشا تجرح من جوى وَتحرق)
(وأسى تجمع لم يكن بمجمع ... لشتات شَمل لم يكن بمفرق)
(خطب لقد صدع الجفا مِنْهُ وَمن ... بَين أُتِي من غير وعد مطبق)
(ذهب الَّذِي كَانَت سحائب فَضله ... تهمى بروض بالعلوم معبق)
(مولى مكارمه إِذا مَا جمعت ... فاقت على سح السَّحَاب المغدق)
(وَإِذا غَدا ليل المباحث مظلما ... كَالشَّمْسِ صيره بفهم مخرق)
(وَإِذا تعقد مُشكل لَك حلّه ... بيَدي إِمَام فِي الْعُلُوم مُحَقّق)
(قد حَاز فضلا فِي ميادين العلى ... وَالْعلم حَتَّى إِنَّه لم يسْبق)
(جاد الزَّمَان بِهِ فَعَاد بجوده ... بخلا وَكَانَ كبارق متألق)
(هَيْهَات أَن يَأْتِي الزَّمَان بعالم ... يحكيه فِي حسن الصِّفَات مدقق)
(مَا حيلتي والدهر لم يَك مسعفي ... وَقضى عَليّ بلوعة وتفرق)