عرض لَهُ فَكتب إِلَيْهِ هذَيْن الْبَيْتَيْنِ

(أعدتم إِلَيْنَا بهمة أدبية ... بهَا افتر ثغر الْفضل وَالْعود أَحْمد)

(وأحييتم وَادي دمشق بعودة ... أضاعبها فِيهِ مصلى وَمَسْجِد)

وَمن غرائب حكيمياته قَوْله

(نقل الطباع عَن الْإِنْسَان مُمْتَنع ... صَعب إِذا رامه من لَيْسَ من أربه)

(يُرِيد شَيْئا وتأباه طبائعه ... والطبع أملك للْإنْسَان من أدبه)

وَقَوله

(أَلا رب من تحنو عَلَيْهِ وَلَو ترى ... طويته سَاءَ تَكُ تِلْكَ الضمائر)

(فَلَا تأمن خلا وَلَا تغترر بِهِ ... إِذا لم تطب مِنْهُ لديك المخابر)

وَقَوله

(يزين الْبَذْل كل أخي كَمَال ... ويزري الْبُخْل بِالرجلِ البجال)

(وَلَو عقل الْبَخِيل الْبُخْل يَوْمًا ... لما علقت أنامله بِمَال)

وَذكره الشهَاب الخفاجي فِي كِتَابه وَقَالَ فِي تَرْجَمته رَأَيْت لَهُ جَوَابا عَن سُؤال رفع إِلَيْهِ فِي الْفرق بَين هذَيْن الْبَيْتَيْنِ وَأيهمَا أبدع وأبلغ وهما قَول ابْن نباتة السَّعْدِيّ فِي قصيدته الَّتِي أَولهَا

(رَضِينَا وَمَا ترْضى السيوف القواضب ... نجاذبها عَن هامكم وتجاذب)

(خلقنَا بأطراف القنافي ظُهُورهمْ ... عيُونا لَهَا وَقع السيوف حواجب)

وَقَول أبي إِسْحَاق الْغَزِّي

(خلقنَا لَهُم فِي كل عين وحاجب ... بسمر القنا وَالْبيض عينا وحاجباً)

فَادّعى أَن بَيت الْغَزِّي أبدع لما فِيهِ من الصَّنَائِع كالطباق بَين السمر وَالْبيض ورد الْعَجز على الصَّدْر واللف والنشر ومراعاة النظير وَادّعى أَنه يجوز أَن يُرَاد بِالْعينِ فِيهِ الرئيس وبالحاجب من تبعه وحجابه وَالْمعْنَى رماحنا وسيوفنا نَالَتْ الْحَاجِب والمحجوب والرئيس والمرؤوس وَهُوَ مُشْتَمل على التورية والإستعارة أَيْضا وَهَذَا مِمَّا خلا عَنهُ الْبَيْت الأول مَعَ مَا فِيهِ من الإفتخار بِقِتَال أعدائهم الثابتين لَا المنهزمين فَإِنَّهُ لَا يفتخر بِمثلِهِ وَلذَا يعاب الْبَيْت الأول وَإِن ذكر صَاحب إِيضَاح الْمعَانِي أَنه أبلغ لإشتماله على زِيَادَة معنى وَهُوَ الْإِشَارَة إِلَى انهزامه وَأطَال وأسهب وَبعد وَقرب وَالْحق مَا ذهب إِلَيْهِ صَاحب الْإِيضَاح خطيب الْمعَانِي فَإِن بَيت النباتي أحلى لما فِيهِ من التَّشْبِيه البديع لجعل أثر الطعنة المستدير عَنَّا وشطبة السَّيْف فَوْقهَا حاجبا والإغراب بِجعْل الظّهْر مَحل الْعين والحاجب وَأما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015