(ينقش فِي لوح سره صوراً ... عَن غَيره فِي الْوُجُود محتجبه)
(فيصدر الْأَمر عَن حَقِيقَته ... متسق الْحسن بادياً حببه)
قدم مَكَّة حَاجا وجاور بهَا سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف وَأخذ عَنهُ بهَا كثير من فضلائها وَرجع إِلَى بَلَده وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن توفّي وَكَانَت وَفَاته فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف
عبد الْجواد بن مُحَمَّد بن أَحْمد المنوفي الْمَكِّيّ الشَّافِعِي الأديب اللوذعي كَانَ فَاضلا أديباً حسن المذاكرة أَخذ بِمَكَّة عَن علمائها وَولي بهَا مدرسة ورزق بعض مَعْلُوم من الرّوم فتعصب عَلَيْهِ جمَاعَة ومنعوه من ذَلِك فَرَحل إِلَى مصر وَأقَام بهَا وَكَانَ أَبوهُ حَيا وَكَانَ لَهُ فِي مبدأ أمره ثروة وغناء فتضايق وَلم يقر لَهُ بِمصْر قَرَار دون أَن سَافر إِلَى الرّوم فصحبه وَلَده هَذَا ثمَّ رجعا فَمَاتَ وَالِده بِالشَّام فتكدّر حَاله ثمَّ لحق بِالْحرم الْمَكِّيّ فتقدّم عِنْد الشريف وَبلغ رُتْبَة عالية وَقد ذكره السَّيِّد عَليّ بن مَعْصُوم فِي السلافة فَقَالَ فِي وَصفه جواد علم لَا يكبو وحسام فضل لَا ينبو سبق فِي ميدان الْفضل أقرانه واجتلى من سعد جده ومجده قرانه وَولى الْقَضَاء مرّة بعد أُخْرَى فكسى بمنصبه شرفاً وفخراً ثمَّ تقلد منصب الْفَتْوَى فبرز فِيهَا إِلَى الْغَايَة القصوى مَعَ تحليه بِالْإِمَامَةِ والخطابة والهمة الَّتِي مَلأ بهَا من الثَّنَاء وطابه وَكَانَت لَهُ عِنْد شرِيف مَكَّة الْمنزلَة الْعليا والمكانة الَّتِي لَا تنافسه فِيهَا الدُّنْيَا إِلَى أَن دَعَاهُ ربه فَقضى نحبه قَالَ وَقد وقفت لَهُ على رِسَالَة فِي شرح الْبَيْتَيْنِ الْمَشْهُورين وهما
(من قصر اللَّيْل إِذا زرتني ... أَشْكُو وتشكين من الطول)
(عدوّ شانيك وشانيهما ... أصبح مَشْغُولًا بمشغول)
أبدع فِيهَا وَأغْرب ثمَّ أورد لَهُ من شعره قَوْله
(أتزعم أَنَّك الخدن المفدّى ... وَأَنت مصادق أعداي حَقًا)
(إليّ إليّ فَاجْعَلْنِي صديقا ... وصادق من أصادقه محقا)
(وجانب من أعاديه إِذا مَا ... أردْت تكون لي خدناً وَتبقى)
وَهُوَ ينظر إِلَى قَول الآخر
(إِذا صافي صديقك من تعادي ... فقد عاداك وانفصل الْكَلَام)
وَبَينه وَبَين أهل عصره من المكيين وَغَيرهم مطارحات ومراسلات كَثِيرَة وَله فِي الْأَشْرَاف الحسنيين مُلُوك مَكَّة مدائح خطيرة أَعرَضت عَنْهَا لطولها انْتهى وَذكر عبد الْبر الفيومي فِي المنتزه أَن لَهُ تآليف مِنْهَا شرح على الأجرومية وتحريراته