كَامِلا عَارِفًا بِالْعَرَبِيَّةِ والفارسية وَيعرف عُلُوم الْأَدَب وَالْعرُوض وَكَانَ متيقظاً مُدبرا حاذقاً خدم فِي مبادي أمره بدار السلطنة وَلم يزل يترقى فِي المناصب حَتَّى ولي كَفَالَة دمشق ودخلها يَوْم الْإِثْنَيْنِ حادي عشر شهر ربيع الثَّانِي سنة ثَمَان عشرَة وَألف وساس الْأُمُور فِي بداية أمره على النهج القويم إِلَّا أَنه لما طَالَتْ مدَّته تجبر وظلم النَّاس ظلما بلغ الْغَايَة وملأ من الرعب قُلُوب أهل دمشق وَلما مَاتَ الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن سعد الدّين تنَازع فِي المشيخة أَخُوهُ سعد الدّين وَابْن أَخِيه كَمَال الدّين وكل مِنْهُمَا ذُو أَمْوَال كَثِيرَة وعقارات غزيرة فَأخذ من كل وَاحِد مِنْهُمَا أَمْوَالًا لَا تحصى ثمَّ بَعْدَمَا استصفى مِنْهُم الْأَمْوَال أَخذ بستاناً عَظِيما يُسَاوِي خَمْسَة آلَاف دِينَار من الشَّيْخ سعد الدّين حَتَّى حَاز على المشيخة وَقطع آمال الشَّيْخ كَمَال الدّين وَكتب الشَّيْخ سعد الدّين حجَّة بِالْبيعِ لَهُ وَقبض الثّمن مِنْهُ وَقد كَانَ صَاحب التَّرْجَمَة ذَا شهامة وَمَعْرِفَة تَامَّة بأحوال الحروب وتغريم الْأَمْوَال فصادر جماعات فِي دمشق وَأخذ مِنْهُم أَمْوَالًا بِغَيْر حق وَكَانَ أَرْبَاب الدولة من مقربي السلطنة يبعدونه دَائِما عَن السُّلْطَان لعلمهم أَنه إِذا قربوه سحر السُّلْطَان بسعة عقله وَتَمام فَضله وَكَثْرَة حيله وَقُوَّة مكره وَمن الْعجب أَن مدرسة انْحَلَّت فِي دمشق فَأمر القَاضِي أَن تُعْطى للشَّيْخ زين الدّين الأشعافي وَكَانَ أَرَادَ أَن يستوطن دمشق وَكَانَ عَالما وَسَتَأْتِي تَرْجَمته وَكَانَ صَاحب تآليف فِي علم الْعرُوض والحافظ طلبَهَا لأجل إِمَام لَهُ وَكَانَ صَالحا وَكَانَ يعرف بعض أَشْيَاء من الْعِبَادَات على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فَقيل لِلْحَافِظِ أَن الشَّيْخ زين الدّين ثَانِي الْخَلِيل فِي علم الْعرُوض فَسَأَلَهُ الْحَافِظ عَن تقطيع بَيت فقدّر الله أَنه عجز وَصَارَ لَهُ كَمَا صَار للحريري ثمَّ إِن الْحَافِظ وَجه الْمدرسَة لإمامه ثمَّ إِن السُّلْطَان اتَّخذهُ سرداراً على قتال الْأَمِير فَخر الدّين بن معن وَأمر كافل حلب وكافل ديار بكر وكافل طرابلس وأمراء الأكراد وَنَحْو النّصْف من السباهية وعساكر دمشق وعساكر حلب الْجَمِيع يكونُونَ تبعا لَهُ فَتوجه بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ ألفا وحاصر ابْن معن تِسْعَة أشهر فَلم يقدر أَن يَأْخُذ قلعة من القلاع ثمَّ بعده أخرج رجلا من جماعته وَقَالَ لمن فِي القلاع أَنا مَالِي عنْدكُمْ غَرَض الْوَزير الْأَعْظَم لَهُ غَرَض فَقولُوا للأمير فَخر الدّين أَن ينزل إِلَى خيامنا وَعَلِيهِ أَمَان الله ونأخذ مِنْهُ دَرَاهِم للسُّلْطَان وللوزير ونقرره فِي أماكنه فَقَالُوا الْأَمِير ذهب فِي المراكب إِلَى بِلَاد الفرنج فَلَمَّا تحقق ذَلِك رَضِي بنزول أم فَخر الدّين فَقَالَت نَحن مَا ضَبطنَا بَلَدا بِغَيْر إِذن السُّلْطَان وَلَا انْكَسَرَ عندنَا مَال