امنعوهم فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين هذه سنتهم، أو كلمة نحوها، وإنك إن منعتهم منها يروا أن في نفسك نقضاً لعهدهم فقال: دعوهم. والتقليس الضرب بالدف والغناء واستقبال الولاة عند قدومهم المصر بأصناف اللهو. وقيل المقلس هو الذي يلبس القالس أو القلنسوة وهي أشبه بقبعات الروم.
ولما استقر الملك لأمية في الشام ودخلت الحضارة كان في جملة ما دخل إليه الغناء على صورة لا خنا فيها ولا تبذل، ولقد روى المبرّد أن معاوية استمع على يزيد ذات ليلة فسمع من عنده غناء أعجبه، فلما أصبح قال ليزيد: من كان مُلهيك البارحة فقال له يزيد: ذاك سائب خاثر، قال: إذاً فأخثر له من العطاء. وقالوا: إن معاوية قال لما دخل على ابن جعفر يعوده فوجده مُفيقاً وعنده جارية وفي حجرها عود: ما هذا يا ابن جعفر؟ فقال: هذه جارية أروّيها رقيق الشعر فتزيده حسناً بحسن نغمتها قال: فلتقل، فحركت عودها وغنت وكان معاوية قد خضب.
أليس عندك شكر للذي جعلت ... ما ابيض من قادمات الريش كالحمم
وجددت منك ما قد كان أخلقه ... ريب الزمان وصرف الدهر والقدم
فحرك معاوية رجله فقال له ابن جعفر: لم حركت رجلك يا أمير المؤمنين قال: كل كريم طروب.
ورأينا بعض خلفاء بني أُمية في دمشق وأُمراءهم وساداتهم، يضعون ألحاناً ويسمعون الغناء ويولعون بالموسيقى، ويجيزون أربابهم ويواسونهم من غير نكير: ومنهم عمر بن عبد العزيز، وناهيك به من كامل، في جميع الفضائل. فقد دوّنت له صنعة في الغناء أيام إمارته على الحجاز سبعة ألحان يذكر سعاد فيها، وكان أحسن خلق الله صوتاً. قال أبو الفرج: وأما الألحان التي صنعها فهي محكمة لا يقدر على مثلها إلا من طالت دربته بالصنعة وحذق في الغناء. وممن صنع في شعره غناءً يزيد بن عبد الملك الأموي وممن غنى وله أصوات صنعها مشهور وكان يضرب بالعود ويوقع بالطبل ويمشي بالدف على مذهب أهل الحجاز، الوليد بن يزيد. وقد ذكروا أنه كان للخلفاء من بني العباس غناء، ومنهم من كان يضرب بالعود، ومن خلفاء العباسيين السفاح والمنصور والواثق وابن المعتز والمعتضد وكثير غيرهم من أبناء الخلفاء، دع سائر الطبقات من أهل