وقد زاد في رداءة التآليف المطبوعة كون المؤلفين، ومنهم الوسط في علمه وتأليفه، يخافون نقد الناقدين عليها، وكون بعض الصحف والمجلات تصانع في الأكثر هؤلاء الذين وضعوا أنفسهم موضع المؤلفين، وتدهن دهاناً عجيباً لمن كان من أهل دين صاحب الجريدة والمجلة أو على مشربه السياسي!. أو يكون ممن يتوقع منه أن يكتب له ذات يوم مقالة أو يعاونه أدنى معاونة مادية. ولذلك استشرى الفساد وظن كل من طبع شيئاً أنه خدم الأمة خدمة صالحة. والنقد الذي هو من أهم الذرائع في السير نحو الكمال إلى بحابح المدنية مما لا يؤبه له، وربما تعرض صاحبه لمقت هؤلاء الطابعين والمؤلفين. قسم السيد اسعد داغر من يعرضون في سوق الأدب بضاعتهم من ترجمة وتأليف وتصنيف إلى فريقين فريق المحترفين وفريق الهواة، فالمحترفون هم الذين يعملون بالقلم ليتقوا شر المتربة، ويعيشوا من شق تلك القصبة، والهواة هم الذين يشتغلون بالعلم والأدب لأن لهم فيهما حفاوة صحيحة مجردة عن المآرب، ورغبة حقيقية منزهة عن حب الأرباح والمكاسب، ومعظم هؤلاء هواة كانوا أم محترفين يشق عليهم أن تنقد كتبهم ومؤلفاتهم وينظرون إلى الانتقاد والمنتقد بعين الشانئ الكاشح.
ليس في كل ما طبعته المطابع الشامية منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهو عصر النهضة عندنا، سوى كتب قليلة تستحق العناية وتستوقف القارئ للأخذ
منها مثل كتب محمد عابدين، أحمد فارس، فانديك، ورتبات، بوست، بورتر، لامنس، شيخو، مشاقة، إبراهيم اليازجي، إبراهيم الحوراني، طاهر الجزائري، عبد الرحمن الكواكبي، سعيد الشرتوني، جمال الدين القاسمي، رفيق العظم، شبلي شميل، شكيب أرسلان، نجيب الحداد، يعقوب صروف، عيسى المعلوف، إسعاف النشاشيبي، إبراهيم الأحدب، يوسف الأسير، بطرس وسليمان وعبد الله البستاني، أحمد حمدي الخياط، مرشد خاطر، جميل الخاني، شفيق جبري، سليم الجندي، خليل مردم بك، أمين الريحاني، خليل سعادة وأضرابهم ممن أبرزوا تآليف منقحة، وفي بعضها إبداع وإيجاد، وذلك لأنهم هضموا العلوم التي عُرفوا بها، وجاءوا بالجديد، وفيها أفكار علمية أو مدنية أو دينية صحيحة.