به الكتب في أرض المدنية اللهم إلا في بضع مطابع لا يهتم أهلها ربحت أم خسرت لأنها لجماعات لا لأفراد. وما عدا عشرات من الكتب التي طبعها في بيروت خاصة علماء المشرقيات أو من أخذوا عنهم طرائقهم في الطبع والنشر. لم يكد يطبع في سائر مدن الشام كتاب يعد نموذجاً في إتقانه ووضعه وتأليفه. وغاية ما نشروه كتب قصص وكتب مدارس ابتدائية أو شعار أُناس تهجموا على التأليف تهجماً، ولما يستعدوا له الاستعداد الكافي، ولم يجوّدوا مصنفاتهم بإنضاجها بالبحث والتنقيب، وإيراد الطريف من المباحث.
فالشام مقصر في هذا الشأن من وجوه كثيرة، ولولا مئات من المجلدات خلفها لنا أجدادنا، وما زالت تطبعها مطبعة ليدن في هولندا منذ أكثر من ثلاثة قرون بمعرفة أفاضل علماء المشرقيات في الغرب، ولولا ما طبعته جمعيات المستشرقين في ممالك أوربا وأميركا لفاتنا الوقوف على أمور كثيرة في مدينة العرب وتاريخهم، وإلى اليوم لم تبلغ مصر على كثرة ما يطبع فيها من الكتب، وبعضها بإتقان زائد في الطبع، كمطبوعات المطبعة الأميرية ودار الكتب المصرية ومطبعة جمعية التأليف والترجمة والنشر مبلغ مطبعة ليدن وليبسيك في الإجادة، ولا سيما في الفهارس والشروح والهوامش والأمانة في النقل الذي أصبحوا به قدوتنا وعنهم يجب أخذه.
تأملنا ملياً فيما تصدره المطابع من الكتب فرأيناها مصنفات هوائية مؤقتة إلا قليلاً، تخدم فكراً خاصاً ولا يتوقع منها إلا الشهرة على الأغلب لا عموم الفائدة، ومعظم من يعدونهم من المؤلفين هم في الحقيقة مترجمون، ومنهم من لا يجيد الترجمة، وكم من تأليف نظرت فيه فانقبضت نفسك مما في تضاعيفه من ضعف التأليف ورداءة الطبع. ومع هذا كان الناس يؤلفون على عهد النهضة الأدبية
الأولى أي في أواخر القرن الماضي أكثر من اليوم، ولقد تسربت روح التفرنج إلى طائفة ممن تلقنوا اللغات الأجنبية، وغدوا لا يهتمون إلا بالأخذ من كتب اللغة التي يحسنونها من لغات الغرب، وفي الغالب تكون الفرنسية أو الإنكليزية وقلما رأينا رجلاً كفوءاً من هؤلاء الذين لا يعتمدون على غير كتب الإفرنج أن نقل، لمن حرموا معرفة اللغات الغربية من بني قومه، موضوعاً نافعاً لهم في اجتماعهم وصناعتهم وتمدنهم، لأن الأثرة زادت بزيادة المدنية.