القريب بين أبناء العرب، ثم خدمة التهذيب والثقافة الإنكليزية والفرنسية وبعد ذلك تعليم شيء من العربية. والكتب العلمية الحديثة التي ظهرت في هذه المطابع باللغة العربية شاهد عدل على أنه لا يتأتى نشر المبدأ الذي يريدونه قبل أن يخدموا القطر بلغته.
ربما بلغ عدد المطابع في الشام ثمانين مطبعة من أهمها المطبعة الأدبية في بيروت، وقل جداً فيها المطابع التي طبعت الكتب النافعة ولاحظت نفع جمهور
الناس قبل منفعتها الخاصة. طبعت قصصاً معربة وأشعاراً ودواوين قديمة وحديثة وكتباً دينية ورسائل علمية في المعارف العامة وقليلاً من كتب العرب التي لا يزال ألوف منها محفوظاً في خزائننا وخزائن الغرب مما يقبل الغريب على طبعه ويجود العناية به من حيث التصحيح والتعليق. ونحن قلما كتب لمطابعنا أن تتأسى بهم وتتعلم منهم. ولولا ألوف من كتبنا طبعت في مصر والآستانة والهند وأوربا لما وجدنا بين أيدينا من تركة السلف الصالح ما فيه الغناء في العلوم والآداب القديمة، ذلك لأن بعض من يرجى منهم خدمة الطباعة بنشر الكتب النافعة لا يجدون من يطبع لهم ما يريدون إحياءه من كتب القدماء، أو ما يؤلفونه هم على النمط الحديث، لأن الطابعين ينظرون إلى أرباحهم أولاً، وأرباحهم موقوفة على كثرة ما ينصرف من مطبوعاتهم، والجمهور بالطبع كما هو في كل بلد لا يقبل على الجد إقباله على الهزل، ولا يقدر أن المنفعة له في الصعب قبل السهل، وأكبر الظن أن كثيراً من أرباب المطابع هم من العامة أو يقربون منهم في الفكر والتعلم.
ولقد شاهدنا أُناساً من الغُيُر على العلم طبعوا مصنفاتهم بأنفسهم فافتقروا إذ لم يعرفوا تصريفها، والمؤلف غير التاجر، ثم هم لم يجدوا في الأغنياء والحكومات من يناصرهم ولو بابتياع نسخ معدودة من كتبهم. ورأينا أُناساً طبعوا كتباً سخيفة من تأليفهم فروّجوها هم أو أحبابهم بالتجبية والقحة فدرّت عليه أرباحاً لا يستهان بها. فلا عجب إذا أصبح الطابعون والمصنفون يهتمون لمنافعهم الخاصة ولو كان في الطابعين من يخاطرون بطبع كتب العلم والأدب التي لها قراء مخصوصون لزاد عدد الراغبين في المسائل الجدية أكثر من الآن ولارتفع ميزان العقل أكثر مما ارتفع.
نعم لم يطبع كثير من الكتب الخالدة سواء كانت للمعاصرين أو لمن قبلهم في عهد
ارتقاء العلم في العرب، وقل أن طبع كتاب بذاك الإتقان الذي تطبع