وبعد فالواجب على الصحافي قبل كل شيء أن يحسن الكتابة العربية كأحسن منشئيها، وأن يكون قادراً على النقل والاحتذاء من أفكار الغربيين، أي عارفاً بلغة أو لغتين من لغات السياسة والعلم، وأن يكون ممن عانى البحث ملماً بالقوانين الدينية والزمنية وتاريخ الأمة ولا سيما تاريخ هذا القطر عارفاً الاقتصاد والاجتماع وحياة الأمم وتاريخها وثوراتها ونهضاتها ونقاباتها وألوان أحزابها وأوضاعها كل هذه المسائل أقل ما يجب للصحافي المشاركة التامة فيه. أما المباحث المالية والزراعة والتجارة والفنون والأدب والشعر والآثار والتاريخ وغيرها مما يجعل من الصحيفة مدرسة تامة الأدوات لإنارة الأفكار وبث الصحيح منها، فيجب أن يوكل شأنها لأهل الأخصاء من العارفين بها. وبذلك يصح أن يقال إن لنا صحافة راقية، وما دامت الصحيفة الواحدة ينشئها واحد أو اثنان أو
ثلاثة على الأكثر، تضطر الصحف إلى ن تكون ناقلة ضعيفة في مادتها وأخبارها وأفكارها وإذا زاد عليها خدمة غرض سياسي لا يحسن صاحبها التصرف فيه، فهناك البلاء الذي يحول دون الرقيّ.
لم يصل إلينا فن الطباعة الحديث أفضل اختراع تم في أوائل النصف الثاني من القرن الخامس عشر للميلاد، إلا في القرن السابع عشر، ومن أوائل الكتب العربية التي طبعت في رومية في القرن الخامس عشر الإنجيل الشريف وقانون ابن سينا، وقام بتأسيس مطبعة في الشوير من لبنان عبد الله زاخر الراهب الماروني سنة 1145 وطبعت هذه المطبعة 34 مؤلفاً خلال ستين سنة وأكثرها ديني وهي مطبعة يدوية على الحجر، وقد طبعت مطبعة الشوير المزامير سنة 1610م، ودخلت الطباعة الآستانة سنة 1135هـ وأول مطبعة أنشئت في بيروت مطبعة القديس جاورجيوس في أواسط القرن الثامن عشر، بل إن فن الطباعة بهذه الحروف المتعارفة لم تثبت قدمه إلا بمجيء الإرساليات والرهبنات الدينية من الغربيين، وإلى اليوم لا تزال المطبعتان العظيمتان في بيروت بل في الشام كله هما لتلك الجمعيات الأميركانية أُسست سنة 1834م واليسوعية 1848م التي كان الغرض الأول منها نشر الكتب المقدسة والدعاية إلى إنجيل المسيح في هذا الشرق