إذا قسمت الأعمال وأخصى المشتغلون بالعلوم وتوسعوا فيها، فالإخصاء يؤدي ولا جرم إلى الضعف الأدبي، وذلك أن العاملات مثلاً إذا قضين نهارهن في عملهن السهل اللطيف في الظاهر، كأن يتوفرن على إدخال الخيوط في إبرهن فإنهن لا يفقدن شيئاً من حواسهن، ولكن ثبت أنهن يفقدن حاسة النظر في أقرب وقت. أما القوى العقلية والقوى المماثلة لها فإنها تتأذى أيضاً. ومن ينصرفون في العلم المحض إلى الإخصاء ككثير من الرياضيين والمهندسين والفلكيين يعيشون في العالم كأنهم ليسوا منه، ويدهشون من عاصروهم بغرابة أخلاقهم، وتشتت أفكارهم، وبالجملة فيقضي على كل مخصٍ في العلم أو في الصناعة أن يحرز حظاً من المعارف لأول أمره، وأن يخصي في علمين أو ثلاثة، فإذا مارس أحدها أراح غيره اه.
نشأت الصحافة، أي نشر صحف الأخبار، بعد انتشار فن الطباعة الحديثة عام 1566م في مدينة البندقية، ولم تلبث أن انتشرت في أوربا، ولكنها لم تُعرف في
ديار العرب إلا في سنة 1799م أنشأها في مصر نابليون بونابرت، ولم تصل إلى الشام إلا في أوائل منتصف القرن التاسع عشر، ففي بدء سنة 1851م أنشأ المرسلون الأميركان في بيروت أول مجلة عربية اسمها مجموع فوائد. وللشاميين الفضل الأول في إنشاء الجرائد، جمع جريدة، وهو الاسم الذي وضعه أديب لبناني للتعبير عن أو ثم وضع لغوي لبناني آخر اسم مجلة للتعبير عن أو أطلقه على هذه الرسائل الدورية التي تضم بين صفحاتها مختلف الفوائد في شتى الموضوعات. وما زال للشاميين الفضل الأكبر في إنشاء الجرائد والمجلات. وقد أنشئوا في الآستانة ومصر وتونس وأوربا وأميركا صحفاً عربية كثيرة، وآزروا في صحف كثيرة، كما أنشئوا في الشام صحفاً كانت تعلو وتسفل بحسب مقدرة القائمين بها، ذلك لأن الأمية كانت غالبة، ولم يكن الإقبال على مدارس المرسلين والمدارس الطائفية وهي التي سهلت درس العربية قبل غيرها، هذا الإقبال الذي شوهد من بعد،