وخرج مئات الطلاب الذين كان أقل ما ثقفوه فيها تعلم مبادئ لغتهم ومبادئ اللغات الأجنبية.
ولما احتل البريطانيون مصر وزاد الضغط على الصحافة العربية في الشام، هبط مصر كثير من نبهاء الكتاب الشاميين من أرباب الصحف ومن المترجمين وغيرهم، وأنشئوا جرائد ومجلات ومنها إلى اليوم جريدتا الأهرام والمقطم ومجلات المقتطف والهلال وغيرها من الجرائد والمجلات التي نشرها الشاميون وعاشت مدة ثم احتجبت. وكلها أبلت بلاءً حسناً في خدمة الأفكار ونشر الآراء العلمية والتهذيبية والأدبية والدينية. وقد نشرت في الشام وفي مصر بأقلام الشاميين أنفسهم صحف ومجلات كثيرة لم يكتب لها البقاء، وإن كان بعض القائمين بها على حصة موفورة من العلم والأدب، وقضي عليها لقلة القراء، أو لوفاة أصحابها كمجلة الضياء والمنار ولم يأت من يخلفهم في موضوعهم. وأخرى
أن المجلات المفيدة لم تجد من الحكومات والجمعيات معاضدة فعلية.
ظلت الصحف السياسية والمجلات العلمية مستندة إلى قوى أصحابها فقط، ولو كان في القوم أُناس يحبون حقيقة معاضدة الآداب لألفوا شركات برؤوس أموال كبيرة لإنشاء بضع صحف ومجلات تخدم الخدمة اللازمة، ولا تسف إلى تناول ما يسد بعض عوزها من الحكومات أو من أفراد أو من أرباب المظاهر يعطون المجلات أو الجرائد ما تيسر حتى تسبح بحمدهم وتنشر محامدهم وصورهم فالجرائد والمجلات بذلت الجهد إذاً في نشر الأفكار والتهذيب في الشام على قلة الوسائط، وكان صوتها يسمع أكثر مما سمع لو بذلت الأمة العناية بتعهدها أكثر مما بذلت، نعم كانت خير معلم وأجمل مدرسة للناس، ترشدهم في جميع ما تشتد إليه حاجتهم من المعارف، وتغرس في نفوسهم روحاً وطنياً لا تقوم الأمم بغيره، وتلفن الجمهور على اختلاف نزعاته تربية سياسية صالحة في الجملة لأمة لم تستقر حالتها السياسية.
دخل منذ ثمانين سنة كثير من النبهاء في الصحافة، ولكن المتوسطين الذين خاضوا غمارها كانوا أوفر عدداً، فأفسد المتوسطون عمل الذين كان يرجى من أقلامهم رفع مستوى المعارف. ومع كل الضعف الذي تجلت أعراضه في كل أدوار الصحافة الشامية كان منها أن علمت الناس ما لم يكونوا يعلمونه،