وكان كيوان أحد كبراء الأجناد في دمشق خلال هذه المدة ينزع إلى التعدي ولا شكيمة ترد جماحه، ولا وازع يكف من غربه، فأخذ الناس بالتهمة وتطاول إلى أخذ أملاكهم حتى استولى على أكثر بساتين الربوة والمزة من ضواحي دمشق وضم بعضها إلى بعض، وكان إذا أخذ حصته من مكان احتال على الشركاء فيه حتى يأخذ حصصهم طوعاً أو كرهاً، وكان نواب محكمة الباب وأعيان شهودها يساعدونه على عدوانه حتى أهلك الحرث والنسل. وذكر الغزى أن كيوان الطاغية أعيا أهل دمشق ظلماً وفتنة، وكانت بداية كيوان نهاية أويس ثم تجاوز عنه بمراتب، فطمع هو وقائد الصالحية أولاً في أملاك الفلاحين، واستخلاص ما ملكوه بالشراء أو بالمغارسة، فكان يعمل الحيلة لأحدهم حتى يوقعه في مخالب صاحب الشحنة ولو بالتهمة والاستتباع. وقد اقترف يوسف السقا من الأجناد الدمشقيين ضروب المظالم، وصادر الناس في أموالهم وعقارهم، وقبض على غالب أعيان دمشق وشيوخها وهرب بعضهم، واغتصب من تجارها المشاهير وبعض أهلها الضعفاء مالاً جزيلاً أناف على مائتي ألف دينار ومن التحف والأقمشة ما لا
يحصى. ومثل هذه الشؤون كانت تجري على مشهد من الولاة ويتغاضون عنها لأنها قد تكون بإيعازهم وهم لا محالة شركاء أولئك الزعماء.
أدركت الدولة أن خطر فخر الدين المعني على حياتها في هذه الديار زاد عن سنة 1020 وأنه تأصلت أحكامه بعد عودته من إيطاليا، وما كانت في حملتها الأولى والثانية لتغضي عن تخريب الأقاليم إلا اضطراراً، فساق هذه المرة مصطفى باشا والي دمشق 1033 جيشاً على فخر الدين فاستظهر هذا بالأمير محمد الشهابي حاكم وادي التيم كما استظهر حاكم الشام بابن سيفا حاكم طرابلس وابن الحرفوش صاحب بعلبك فهلك جمهور من عسكر دمشق قدر بمائتي قتيل ولم يقتل سوى رجال قلائل من جماعة ابن معن، وكانت الوقعة في عين الجر عنجر. وقبض جماعة ابن معن على والي دمشق فجاء الأمير فخر الدين وقبل ذيله، وقيل شفع بالوالي علماء دمشق