وفي السنة التالية 1032 خرب الأمير فخر الدين بن معن كرك نوح وسرعين نكاية ببني الحرفوش.
وبينا كان ابن معن يهيئ السبل للفرنج حتى تزيد متاجرهم مع أهل الساحل ويكثر سوادهم في مدنها ولا سيما في موانيها، ويرخص لهم بتأسيس قنصليات ويدخل المبشرين إلى لبنان، ارتكب ابن سيفا حاكم طرابلس سنة 1032 أمراً عظيماً نفر الفرنج من غشيان المواني لاستبضاع القطن والحبوب، وذلك أنه ضبط مركبين فرنساويين كان معهما ثمانون ألف قرش لابتياع بضائع، فأرسل ابن سيفا وأمسك ولدين صغيرين من المركبين وعلمهما أن يقولا: إن المركبين للقرصان، وإنهما أخذا في طريقهما مركب تجارة للمسلمين، وزعم أنه وجد في المركبين أساباً لمداخلة المسلمين، ولم يكن ذلك صحيحاً ولكنه جعل ذلك طريقاً لضبط جميع ما في المركبين من البضائع والأموال، وأمسك جميع من فيهما من التجار والنوتية وقتلهم جميعاً. وبعد ذلك باع المركبين بثلاثة آلاف قرش. قال الشهابي: ومن حين حدوث هذه الفعلة لم يدخل ميناء طرابلس من تجار الفرنج أحد، وتوجه أناس من الفرنج إلى الباب العالي للشكوى على ابن سيفا، ولكن لكثرة عزل الوزراء لم يلتفت أحد إليهم وراحت على من راح.
ومن الفتن الأهلية ما حدث سنة 1032 من دخول أحمد الشهابي وحسن الطويل بلاد عجلون ومقابلة أهل القرى لهما وتجمع أهالي نابلس وعربها، وحرقت من القرى فارا والخزبة وحلاوى وكانت من أكبر قرى عجلون، وحرق الأمير علي الشهابي قرية سرعين في البقاع وجميع قرى بعلبك وتحصن أهل بعلبك في القلعة. وجرت فتنة بين عساكر دمشق والأمير يونس الحرفوش - وكان هذا ظالماً متجاهراً بالظلم - وكرد حمزة سنة 1033 فاغتنم الانكشارية الفرصة وأغاروا على المستضعفين من الأهلين وتعاقب تغيير الولاة وانحاز بعض الخوارج إليهم ونقل الناس أمتعتهم وأثقالهم من خارج مدينة دمشق إلى داخلها مراراً، وحارب العسكر الدمشقي أولاد الحرفوش لإخراجهم من بعلبك.