وكبراؤها لدى ابن معن، ورجع عسكر دمشق مفلولين وفي رواية أنهم خامروا على الوالي وأطلق الأمير فخر الدين والي دمشق مكرماً، فعاد إلى الفيحاء ينتقم ممن كان السبب في غزو ابن معن. وهذه الوقعة زادت في مكانة أمير لبنان في نظر الدولة والأمة، ودلت على أنه كان مع قوته عاقلا بعيد النظر، وأنها عاجزة عن أخذه إلا بتجهيز جيش عظيم لأنها حاولت غير مرة ذلك فرجعت بالخيبة خصوصاً وقد علمت محالفته لكوسموس الثاني كبير دوجات طسقانه، وأن فخر الدين لما استظهر بأسطول فرديناند الطسقاني استولى على ساحل الشام وغلب جيش الدولة غير مرة.
وفي سنة 1033 أيضاً جلس جماعة الوالي بدمشق على الطرق ومعهم الريش يضعونه على رأس كل من يرونه وينادون عليه مستاهل لم يقدر أن يرفعها من شدة الخوف قال المقار: فلما كملوا أرسلوهم إلى اليمن فقتلوا كلهم هناك. ومعنى ذلك أن الدولة كانت تريد تجنيد أناس لترسلهم من الشام إلى اليمن فلم تر أظرف ولا أعدل من هذه الطريقة في التجنيد. وفي سنة 1038 عين والي دمشق شرذمة من العسكر لمنازلة بني شهاب في وادي تيم الله بن ثعلبة فنهبوا قراهم وأحرقوها.
وقد وزعت الدولة عسكرها على كور الشام ليشتي فيها سنة 1041 وكان جيشاً كبيراً فخض دمشق منهم أثنا عشر ألف جندي ما عدا أتباعهم، وكان مأكلهم ومشربهم من أهل دمشق وأقاموا بها أربعة أشهر، فلما عزموا على السفر أخذوا ترحيلة من أهل دمشق خمسين قرشاً من كل دار فاضطرب أهل دمشق اضطراباً عظيماً. وقال أبو بكر العمري من قصيدة وصف بها سنة القشلق:
قوم من الأتراك عاثوا بها ... على خيول ضمّر شبق
من جهة الشرق لقد أقبلوا ... والشر قد يأتي من المشرق
في رقعة الشام غدت خيلهم ... وذلت الأرخاخ للبيدق
أجلوا أهالي الدور عن دورهم ... بالسيف والدبوس والبندق
واتخذوها مسكناً دونهم ... بالفرش من خز واستبرق
وحملوهم كلفاً أعجزت ... غنيهم جهداً فكيف الفقير