جانبولاذ. فعاثوا في تلك الديار وقطعوا الطريق، ولما ورد من حلب العسكر المصري الذي كان قد طلب لقتال كبير السكبانية محمد بن قلندر والأسود سعيد، التقى جيش السلطان مع جيش البُغاة
فغُلب عسكر السلطان وهرب منهم جمع، ومن جملة الهاربين الجماعة المذكورون وكانوا نحو أربعمائة سكباني، فلما انضموا إلى العرب المذكورين كان السكبان يضربون بالبندق والعرب يضربون بالرماح والسيوف، وأخذوا قلعة القسطل وقلعة القطيفة ونهبوا المعصرة وقتلوا من بها من الرجال والنساء. فلما بالغوا بالقتل والنهب والغارة والعدوان قصدهم سنان باشا ومعه العسكر الدمشقي، وانضم إليهم عرب المفارجة وكبيرهم عمرو بن جبير فأدركوا العرب والسَّكبان في نواحي قلعة القطرانة، فقتلوا من السكبان نحو ثلاثمائة رجل وقبضوا على آخرين ودخلوا بهم إلى دمشق على متون الجمال وعلى كتف كل واحد منهم خشبة طويلة وهي وتد خازوق وفي اليوم الثاني أتلفوهم وفرقوا أجسادهم على أحياء دمشق.
تخوفت الدولة من الأمير فخر الدين المعني الثاني لتحصينه القلاع وامتداد سلطته في أصقاع الشام، فأرسلت عليه في سنة 1020 الحافظ أحمد باشا كافل دمشق وكافل حلب وكافل ديار بكر وكافل طرابلس وأمراء الأكراد في جيوشهم ونحو النصف من الفرسان في جيش مؤلف من ثلاثين ألفاً، وحاصر ابن معن تسعة أشهر فلم يقدر أن يأخذ قلعة من القلاع، فلما أعيته الحيلة أرسل رجلاً من جماعته لمن في القلاع يقول: أنا مالي عندكم غرض بل إن للوزير الأعظم شأناً مع الأمير فقولوا له أن ينزل إلى خيامنا وعليه أمان الله ونأخذ منه دراهم للسلطان وللوزير ونُقرّه في أماكنه فقالوا: الأمير ذهب في المركب إلى ديار الفرنج فلما تحقق ذلك رضي بنزول أم فخر الدين فقالت: نحن ما ضبطنا بلداً بغير اسم السلطان، ولا انكسر عندنا مال، فعند ذلك أعطت السلطان مائة ألف قرش وأعطت الوزير خمسين ألفاً والحافظ أحمد باشا مثلها وانفصل الأمر على ذلك.
هرب الأمير فخر الدين إلى إيطاليا تاركاً الحكم في لبنان وما إليه لابنه