وكانت غدت الوزارة في دولة الفاطميين أشبه بالوزارة في دولة العباسيين يتولاها من يستطيع أن يستجيش له أنصاراً وأعواناً. ولما استلب ضرغام من شاور وزارته وعجز في مصر عن مقاومته لحق بنور الدين صاحب الشام ليعينه على خصمه باذلاً له ثلث أموال مصر بعد رزق جندها إن هو أعاده إلى الوزارة. فرأى نور الدين أن معاونة الوزير المستنجد به لا تخلو من فائدة عظيمة أقلها أنها تفتح له سبباً إلى التدخل في شؤون مصر ربما أعقب استيلاءه عليها وضمها إلى مملكته أو تقاضي ما وعد به شاور من الأموال ينفقها في وجوه المصالح
والمرافق في الدولة. فإرسال حملة على مصر محسوسة الفائدة لنور الدين بل للإسلام من عدة وجوه.
اقتضى رأي نور الدين بعد تدبّر أمر مصر أن يندب لها رجلاً من أعظم رجاله دهاء وحنكة، فأرسل أسد الدين شيركوه بن شاذي وأصحبه بابن أخيه صلاح الدين يوسف، وكانت كفاية هذا أخذت تبدو لرجال الدولة واستخصه نور الدين وألحقه أي صاحب شرطتها بخواصه فكان لا يفارقه في سفر ولا حضر وكان في تلك السنة شحنة دمشق فأخاف اللصوص وقضى على نائره الفتن وفي تلك الفتن قال عرقلة الشاعر:
ذر الأتراك والعَرَبا ... وكن في حزب من غلبا
بجلّق أصبحت فتنٌ ... تجر الويل والحربا
لئن تمت فوا أسفا ... وإن تخرب فواعجبا
ذهبت الحملة إلى مصر وأعاد أسد الدين شيركوه الوزير شاوراً إلى وزارة العاضد العلوي، ولما قبض على زمام الوزارة لم يف لنور الدين بشيء مما شرط على نفسه، فشق ذلك على أسد الدين، وسار فاستولى على بلبيس والشرقية فأرسل شاور واستنجد بالفرنج على إخراج أسد الدين شيركوه من الديار المصرية فسار الفرنج واجتمع معهم شاور بعسكر مصر وحصروا شيركوه ببلبيس ثلاثة أشهر. وبلغ الفرنج ما أصابه نور الدين في الشام من التوفيق وأنه أخذ حارم فراسلوا شيركوه في الصلح وفتحوا له طريقاً فخرج من بلبيس يمن معه من العسكر وسار بهم ووصلوا إلى الشام سالمين.
هذا ما كان من مبدإ دخول الجند النوري إلى مصر وما لقيه من الشدائد بمبدأ أن قائدهم عرف أمراضها وخللها واطلع على مداخلها ومخارجها، فكان إنجاد