نور الدين شاوراً واستنجاد هذا بالفرنج درساً نافعاً لدولة نور الدين أدركت به أنه لا
سبيل إلى إنقاذ الشام إلا بالاستيلاء على مصر خصوصاً والفاطميون كانوا يخافون الفرنج خوفاً شديداً ولا يطيقون مقاتلتهم. كان هذا أيام كان لهم شيء من السلطان على النفوس وقوة على التناحر والتغادر فما بالك بهم وقد دب الضعف في كيان دولتهم وعبث العابثون بعزتها ومنعتها. وإلا كان نصيب خطته المرسومة في قتال الصليبيين عقيماً، لأن الروح الخبيث سرت لصغار الأمراء من المسلمين في الاعتصام بأعدائهم إذا ضاقت بهم حالهم وأتاهم سلطان أعظم من سلطانهم، ولئن كانت الشام قد تطهرت من جراثيم هؤلاء العمال بفضل الدولة النورية فمصر إذا استهانت بمقدساتها أيضاً يصبح البقاء في الشام خطراً دائماً.
وبينا كان نور الدين يحرّق الأرّم على شاور وفي نفسه منه حزازات لأنه لم يف له بما وعده، واستعان على قتال جيشه بالصلبيين، عاد شاور على عادته يظلم ويقتل ويصادر ولم يبق للعاضد معه أمر ولا نهي فبعث يستنجد بنور الدين على شاور، فما عتم نور الدين أن جهز أسد الدين شيركوه ثانية 562 إلى مصر بعسكر جيد عدتهم ألفا فارس وأمر أيضاً أن يخرج معه ابن أخيه صلاح الدين يوسف إلى مصر فامتنع صلاح الدين وقال: يا مولانا يكفي ما لقينا من الشدائد. فقال: لا بدّ من خروجك، فما أمكنه مخالفة نور الدين. وكان في ذهاب صلاح الدين إلى مصر سعادته وسعادة أمته إذ فتح مصر وأصبح بعد ذلك ملك مصر والشام على ما سنلم به في الصفحات المقبلة. قال المؤرخون: أحب نور الدين مسير صلاح الدين إلى مصر وفيه ذهاب الملك من بيته، وكره صلاح الدين المسير وفيه سعادته وملكه. ورب زارع لنفسه حاصد سواه. فاستولى أسد الدين على الجيزة وأرسل شاور إلى الفرنج واستنجدهم فساروا في أثر شيركوه إلى جهة الصعيد فهزمهم واستولى شيركوه على إقليم الجيزة واستغلها ثم سار إلى الإسكندرية وملكها.
وجعل أسد الدين ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب في الإسكندرية وعاد إلى الصعيد فاجتمع عسكر مصر والفرنج وحصروا صلاح الدين بالإسكندرية ثلاثة أشهر، فسار شيركوه إليهم فاتفقوا على الصلح على مال يحملونه إلى شيركوه ويسلم إليهم الإسكندرية ويعود إلى الشام، فتسلم المصريون الإسكندرية وعاد شيركوه إلى دمشق، واستقر الصلح بين الفرنج والمصريين على أن يكون للفرنج