المهذب المعري أن خروج أرمانوس ملك الروم إلى حلب في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وكانوا ستمائة ألف، ومعه ملك البلغار وملك الروس والألمان والخزر والأرمن والبلجيك والفرنج وغنم المسلمون منهم ما لا يحصى وأسرت جماعة من أولاد ملوكهم. وفي قول ابن المهذب نظر. لأن هذا الجيش العظيم وهذه الأمم التي عدها يستحيل أن تسير مع ملك الروم إلا إذا كان دعاهم باسم حماية النصرانية في الأرض المقدسة، ويستحيل أن تقترب منها أو أن تفتحها وفي الشام أمامها دول وإمارات.
وملك الروم 422 قلعة أفامية، وسبب ملكها أن الظاهر الفاطمي سير إلى الشام الدزبري وزيره فملكه، وقصد حسان بن المفرج الطائي، فألح في طلبه فهرب منه ودخل بلد الروم، ولبس خلعة ملكهم وخرج من عنده وعلى رأسه علم فيه صليب، ومعه عسكر كثير، فسار إلى أفامية فكبسها وغنم ما فيها وسبى أهلها وأسرهم.
وفي سنة 423 اجتمع في جبل السماق جماعة من الدرزية وجاهروا بمذهبهم وأخربوا المساجد، وتحصن دعاتهم وكثير من عوامهم في مغاور شاهقة منيعة، وقصدهم وانضوى إليهم خلق كثير من أهل نحلتهم، وتوفر عددهم واستضاموا المسلمين المجاورين لهم من أهل بلدان حلب، ووعدوا أنفسهم وأطمعوا عوامهم بقوة أيديهم وكثرة استيلائهم على الأعمال القريبة والبعيدة. فرأى قطبان إنطاكية مبادرتهم قبل تفاقم أمرهم وتخطيهم إلى الفساد والعيث، ورسم لمن يجاورهم من طراخنته قصدهم برجاله وأصحابهم، فتلطفوا في أن قبضوا على دعائهم وأماثلهم وقتلوهم، وحاصروا باقيهم في تلك المغاور، فنصبوا عليها القتال اثنين وعشرين يوماً إلى أن التمسوا الأمان وخرجوا منها هاربين، وتتبع الروم المسلمين في أعمالهم وأخذوهم واضمحلوا ودثروا. وهذه ثاني وقعة للدروز في الشام والوقعة
الأولى في وادي التيم بعد قيام دعوتهم على عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي.