لا يتجاسر أحد على أن يقطع الطريق في جميع أعماله، وله في باب تأديب العصاة وسلبة الطرق حكايات أثرت عنه.
مضت اثنتان وعشرون ومائة سنة على الشام بعد انقراض دولة بني أمية، وهو لا يخلو من فتن وتسمع فيها اسم السفياني والأموي العثماني أو غيرهم من أرباب
العصبيات من العرب، قيس ويمن. فتن أهلية يثور بركانها، ثم يهمد إلى حين، ونزّاع إلى الملك والسلطان، ولم يسد السلام إلا على عهد الرشيد والمأمون وكانت الفتن في أيامهما لا شأن لها لأنهما كان يوليان على الشام أقدر رجالهما. والشاميون يرضيهم من الخلفاء حسن سياستهم، والنظر بعطف على مصالحهم.
ولقد كانت الشام أوائل الفتح العباسي تتناوبها يدا عبد الله بن علي وصالح بن علي العباسيين وأولادهما، ثم أخذ عقلاء الخلفاء منهم يولون أولادهم واخوتهم شؤونها. فقد رأينا المهدي ولى ابنه هارون الرشيد أيام كونه ولياً للعهد ولاية قنسرين أو شمالي الشام، ورأينا الرشيد ولى أخاه إبراهيم بن المهدي دمشق، ورأينا الرشيد ندب أحد عظام رجاله يحيى البرمكي إلى دمشق، كما رأينا ابنه عهد إلى طاهر بن الحسين بولاية مصر والشام، وسوّغه خراج مصر سنة وهو ثلاثة آلاف ألف دينار ففرقه على الناس وهو على المنبر، ولم ينزل منه إلا وقد اقترض عشرة آلاف دينار ليعطيها لرجل جاء متأخراً والمصلحة تقتضي برّه.
وقد رأينا حسن أثر السياسة التي اتبعها إبراهيم بن المهدي في وضع التوازن بين القيسيين واليمانيين في الشام، فدل على عقل راجح، وإرادة هاشمية قوية، وكان بسياسته حائلاً دون المشاغبات الباطلة، ونشر الأمن مدة ست سنين، وكانت الشام من قبل تأجج فيها نيران العصبيات الجاهلية. ولكن المتوكل الخليفة المحمق، أوسع مجال الخلف بينه وبين رعيته، وأكبر أمر فتنة حدثت في دمشق، فأباحها لعامله التركي، فأطلّ الشعب في بغداد دمه لخرقه، وهلك عامله قبل أن يباشر بجبروته فتكه