الأصليين من غير المسلمين من كانوا يحرضونهم على شق عصا الطاعة، فلذلك كثرت ثوراتهم وما برحوا يثورون حتى أيام المهدي. فقد ثاروا بمحمد بن إسرائيل، فخرج هارباً ولحقه ابن عكار، فكانت بينهما وقعة قتل فيها ابن عكار، ورجع ابن إسرائيل على البلد.
وفي أيام المستعين وثب بالأردن رجل من لخم، فطلبه صاحب الأردن فهرب، فقام مكانه رجل يعرف بالقطامي وكثف جمعه، فجبى الخراج وكسر جيشاً بعد جيش أنفذهم إليه عامل فلسطين. فلم تزل هذه الحالة حتى قدم مزاحم بن خاقان
التركي في جمع من الأتراك وغيرهم، ففرق جمعهم ونفاهم. ووثب بالمعرة المعروف بالقصيص وهو يوسف بن إبراهيم التنوخي فجمع جموعاً من تنوخ، وصار إلى مدينة قنسرين فتحصن بها، فلم يزل بها حتى قدم محمد المولد مولى أمير المؤمنين فاستماله، واستعمل عطيف بن نعمة وصار إليه، ثم وثب بعطيف بن نعمة فقتله، وهرب القصيص فصار إلى الجبل الأسود واجتمعت قبائل كلب بناحية حمص على الامتناع على المولد، فسار إليهم فواقعهم فكانت عليهم، ثم ثابوا عليه فهزموه وقتلوا خلقاً عظيماً من أصحابه، وانصرف إلى حلب في فلّه، ورجع القصيص إلى قنسرين والتحم مع كلب، وعزل المولد وولي أبو الساج الأشروسي وكتب إلى القصيص يؤمنه وصير إليه الطريق والبذرقة ثم ولاه اللاذقية ونحوها.
وفي سنة 252 عقد لعيسى بن الشيخ بن السليل الشيباني على الرملة فأنفذ خليفته أبا الغراء إليها واستولى على فلسطين جميعها، وتغلب على دمشق وأعمالها وامتنع من حمل المال إلى العراق، فحمل ابن مدبّر، صاحب خراج مصر إلى العراق سبع مائة ألف وخمسين ألف دينار فنهبها عيسى بن الشيخ في الطريق. وفي سنة 256 عزل عيسى عن الشام، وولي أماجور الشام فسار واستولى عليه بعد قتال بينه وبين أصحاب عيسى على باب دمشق وانتصر أماجور واستقر، وكان عيسى يومئذ في زهاء عشرين ألفاً، وأماجور في مائتين إلى أربعمائة وقيل ألف، فتغلب قليله على كثير خصمه. وكان أماجور أميراً مهاباً، ضابطاً لعمله، حشماً شجاعاً،