غيرهم من الراقين، وإذا جئت تحللهم جماعات فهنالك التفسيخ في القوى والانحلال في الروابط. والشاميون إذا اجتمعوا تخالفوا عادة على الرياسة والتصدر، وتباينوا في الفكر والاجتهاد، لأن الذكاء غالب عليهم، وحب الذات مستحكم في شغاف قلوبهم، وكل واحد يريد أن ينفذ قوله ولو كان مغلطاً، وإذا لم يوافقه رفقاؤه على ما ارتأى عاداهم وربما آذاهم، كأن الاختلاف في الاجتهاد يستلزم العدواة والسخيمة. فلا تستغرب بعد هذا إن أصيبت أكثر أعمال الجماعات عندهم بالشلل والفشل ومنها ما يموت كالجنين في بطن أمه قبل أن يتمثل بشراً سوياً. وقد ينشئ غير المسلمين الجمعيات والمجامع ويحالفهم النجاح أكثر من غيرهم لأنهم على تربية متقاربة وعلى تكافل ودؤوب في الجملة. وما ندري لعل العامل في هذا النجح الضرورة التي دعا إليها تماسك الصغير أمام قوة الكبير، على حين ترى أن هذا الكبير لا يحسن على الأغلب إلا الإدلال بقوته الموهومة والإعجاب بماضيه يقف عند حده، ولا يعرف أن يبرهن على العظمة الغابرة بسداد أعماله الحاضرة.
ومن عيوب السواد الأعظم أن الهزل يغلب عليهم، والجد قليل فيهم، يحبون المداعبة والهزل واللهو، ويسوء بعض اللئام أن يروا في قربهم من يجد. يهزءون
بمن يعملون وهم لا يعملون ولا يعرفون كيف يعملون، فسبيلهم سبيل العاطل والمعطل. ومن عيوبهم أنهم لا يصدقون صاحبهم لأن سوء الظن غالب عليهم، وهذا ولو جاءهم مستنصحاً مسترشداً، لأنهم أميل إلى المصانعة لا إلى الصدع بالحق، وأقرب إلى أن يرضوا جليسهم ويسكتوا أمامه عن هفواته، وربما التمسوا له في حضرته المعاذير حتى إذا غاب عن عيونهم نحتوا أثلته وعابوه بما قد لا تلزمه تبعته. ومن أجل هذا تأصلت في القوم عادات وأخلاق كان يتأتى نزعها لو كتب لها من ينقدها وينكرها غير مدالس ولا موالس. فالنعومة الظاهرة التي تشاهد في بعض الشاميين يحتاجون معها إلى شيء من الخشونة والقسوة.
كانوا في الأيام الماضية إذا أرادوا الحط من شخص سلبوه صفاته واتهموه بالمروق من الدين وربما أوصلوه بهذه التهمة الشنعاء إلى ضرب عنقه، وهذا من بعض الأسباب في قلة النوابغ في القرون المتأخرة. واليوم