نشأ لهم زي جديد من أزياء التهمات يلبسونها من لا ترضيهم حاله، أضافوا إلى من يحاولون النيل منهم تهمة المروق من الوطنية كأن الوطنية ما هم فيه من الختل والتخاذل وطلب الظهور بقاصمة الظهور. ويا لشقاء الدين والوطن كم اتجر بهما متاجرون في الغابر والحاضر. ومن تدبر أحوال هذه الطائفة بأدنى نظر أدرك أن كل من يتبجحون بهذه الدعاوى هم أول من يدوس كل مقدس لبلوغ غرض حقير.
والدواء الناجع في مداواة هذه الأخلاق هو أن يكون للصغار مدارس وطنية متقنة تلقنهم العلم الصحيح والأخلاق الصحيحة والقومية الصحيحة. أما الكبار الذين اشتهروا بسوء القالة فيقاطعون ويتجهم لهم العقلاء في كل أفق، لا يدنونهم من مجالسهم مهما بلغ من سلطانهم وجاههم ومالهم. فأن من السخف التلطف مع الأشرار في المحضر، والتهامس في قبيح سيرتهم في المغيب. يجب أن يناقشوا الحساب ولا يؤمن لهم على خطاب والمؤذي طبعاً يقتل شرعاً.
سيقول فريق ممن يقرءون هذه الصفحات: أنها أغرقت في وصف أخلاق الطبقات وفضحت ما كان مكنوناً لا يعرفه إلا أرباب البصيرة، ونحن في زمن أحوج ما نكون إلى السكوت عن المعايب حتى لا يبدو عوارنا لغيرنا، كأن غيرنا لا يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا. وكان الأولى في عرفهم أن نجامل ونجمجم، بيد أن السكوت عن العيوب عيب كبير، وكتمان العلة مدرجة إلى الهلكة، والتاريخ لا يكتب على الهوى ولا يملئ لإرضاء الناس. وما نخال منصفاً بصيراً إلا ويعترف وهو مثلنا جد آسف أن ما أصاب هذه الديار من المصائب منذ عهد طويل لم يكن إلا بسوء أخلاق من تولوا من أبنائها أمرها، وأنه من المستحيل بعد أن صرح الحق عن محضه أن تؤلف الشام كياناً يذكر وتقوم في ساحة الحضارة البشرية بعمل يشكر، ولو أوتيت علم الجرمانيين واللاتينيين، ورزقت غنى الإنكليز السكسونيين، ما دامت أخلاق أهل الحل والعقد فيها لا تعالج بالتقويم، ولا يحاول القضاء على مواطن الضعف من نفوسهم وعقولهم. والساكت عن الحق شيطان أخرس.
فصلته لكن على عقلي فما ... مقياس عقلك كان لي معروفا