في جيش الأمة بل في طليعته المتيقظة. السخاء مغروس في أكثرهم والمروءة والوفاء غريزتان يورثهما الآباء لأبنائهم، وهم يبعدون عن أرباب السلطات دأبهم التوفر على صناعتهم وزراعتهم، وقلما تحدثهم أنفسهم أن يتخذوا بديلاً عن عمل عاناه آباؤهم وأجدادهم.
الأخلاق التي تعبث بالفضائل هي التي رسخت في بعض العلية من أهله وشهد الله أن هذه الأمة لا تشكو قلة علمها بقدر ما تشكو ضعف أخلاقها، وإذا أخذت المطامع البشعة من قلوب دعاة الإصلاح وحماة الحوزة كيف يوجه اللوم على من كان دون طبقتهم؟ ومما يسوء أن كان أقرب الناس إلى إدراك معنى الفضائل أسرعهم إلى عقولها وانتهاك حرماتها. وإذا كانت في الطبقة الوسطى هناك لا تخلو منها إنسان فهي كالعوذة يتقي بها شر الحاسد، ويصان بها جمال المكرمات والمحامد، وقلما يخلو بشر من عيوب صغيرة ضررها على صاحبها وحده. أكثر ما تعاب به هذه الأمة عصيانها على الأنظمة والشرائع لا تُطبق منها إلا ما لا يمس بمصالحها الخاصة، فإذا كان في بعضها ما يخالف الشهوات والأغراض خرجت عليها وحاربتها والمهيمنين عليها. ولذلك صعبت هنا في كل قرن مهمة المصلحين في إصلاحهم لقلة الثبات وونى تاهمهم. فقد يسرع بعضهم في التصديق خصوصاً إذا أحسنت الدعاية بادئ بدء ولكنهم سرعان ما ينقضون العهد. ومن أضّر ما يضر هذا الشعب أنه قلما يخضع للزعيم خضوعاً حقيقياً تقرأُ معانيه في حركاته وسكناته ولو كان الزعيم في الغاية من حسن الأخلاق وإرادة الخير لها.
وهذه أخلاق العرب بعينها أفرطوا في حب حريتهم فحاول الصعلوك فيهم أن يكون وجيهاً فسارع الانحلال إلى دولهم بالطبيعة وظهر التخبط في إحرازهم الرياسات منذ فجر الإسلام.
وظلت هذه الأخلاق متسلسلة في دمائهم. وقد يريد الطامع في شيء أن تنقلب الدولة رأساً على عقب، وتنتقل ولو إلى عدوه، على أن يتولاها قريبه الذي لا يحبه وأن يهلك في الحمم والنيران المستعرة فريق عظيم من قومه إذا كان له من هذا الحريق ما يشوي به سمكته.
وأنت إذا حللت روح الشاميين تراهم فرادى لا يقلون كثيراً عن