امتهان النفس في أخس الأعمال مقابل عرض ينالونه أو إقبال يتخيلونه، فارتكبوا كل ما يورثهم عار الأبد، فكان ظاهرهم مجملاً، وباطنهم خبثاً وخديعة، يفادون بكل ما ليس لهم فيه مصلحة، ويداجون كل من يلقاهم بما يريد، ولعلك على حق إذا قلت إن صيغ الكلام تضيق عن وصف أفعالهم. فهم ممن حُبب إليهم من دنُياهم أذى القريب لا ينامون ملء جفونهم إلا يوم يوقعون بأصحاب الشرف والمروءات.
وما لنا والإكثار من ضرب الأمثلة بفئة هي معقد الآمال في الإصلاح وهي لم تكد تحقق رجاء إلى الآن، وليست في أخلاقها مما يرغب المرء كثيراُ في تكثير سوادها، لأن منها من تجرد من معنى الحق والصدق. ولو حللت نفوس أكثرهم تحليلاً دقيقاً لرأيتهم أعرف الناس بالمدخل والمخرج وأعراهم من أكثر الفضائل الكسبية واللدنية. ضعف عطفهم على جنسهم وهان عليهم أن يبيعوا وجداناتهم لمن يضمن لهم مظاهرهم. فهم أبداً سلاح الغريب على القريب، وهم يده الباطشة وأظافره الخادشة.
ولطالما نضب حلم أرباب الحلوم من تلاعب أُناس استناروا بقبس العلم الحديث، يتهارشون على أبواب جمعية مدنية وهم في الحقيقة لا يهمهم من دعوتها إلا أن يحموا بسلطانها سلطانهم، ويستروا في حمى كهفها معايبهم، ومن الغريب أنه لا يكاد يرقى في درجاتها إلا من عرفوا بالاسترسال في حظوظهم، وكانوا من الممقوتين في العرف والعادة، وهذا وقانون الجمعية شديد في التسامح مه أمثالهم، ولكن كل قانون ينصبغ بصبغة محيطه، وما دام المحيط على ما ترى فلا بدع إن بعد هذا أعظم قانون سماوي أو أرضي في حكم العدم.
ولا يفوتنك أن الطبقة الوسطى في ديارنا هي التي تتمثل فيها الأمة حقيقة لا مجازاً ويكثر فيها الخير ويقّل فيها الشر، وهي التي تقوم بجلب المنافع ودرء
المضار، وتعيش في خوف الديان، وتهتم لسعادة الأوطان، وهي في الغالب محدودة بعقول أبنائها، وكثير بما يتم على أيديها من الخيرات باجتماعها، وهي التي تفكر وتقدر وقد قام كثير من الأعمال النافعة بصنيعها ومن وضعها. فيهم الصبر وفيهم الأناة وفيهم الرحمة، وخسيسهم أقل من رفيعهم، هم قوة الظهر