مسلمة وقويت عريكة الإسلام في القرون التالية لما سكنها العباس من قواد المروانيين في خمسين من أولاده.
وكانت الشام في الإسلام توالي علياً وأصحابه تارة وتوالي غيره أخرى. وكان أهل حلب سنية حنفية حتى قدم الشريف أبو إبراهيم الممدوح فصار فيها شيعية وشافعية. وأتى صلاح الدين وخلفاؤه فيها على التشيع كما أتى عليه في مصر. وكان المؤذنون في جوامع الشهباء يؤذنون بحي على خير العمل. وحاول السلجوقيون مرات القضاء على التشيع فلم يوفقوا إلى ذلك. وكان حكم بني حمدان وهم شعية من جملة الأسباب الداعية إلى تأصل التشيع في الشمال. ولا يزال على حائط صحن المدفن الذي في سفح جبل جوشن بظاهر حلب ذكر الأئمة الثني عشر وقد خرب الآن. وفي سنة 141 ظهر في حلب قوم يقال لهم الراوندية خرجوا بحلب وحيران وكانوا يزعمون أنهم بمنزلة الملائكة، وصعدوا تلاً بحلب
فيما قالوا ولبسوا ثياباً من حرير وطاروا من التل فكسروا وهلكوا.
وصف المقدسي مذاهب الشام في القرن الرابع للهجرة فقال: إن السامرة فيه من فلسطين إلى طبرية ولا تجد فيه مجوسياً ولا صابئاً، مذاهبهم مستقيمة أهل جماعة وسنة. وأهل طبريا ونصف نابلس وقدس وأكثر عمان شيعة ولا ماء فيه لمعتزلي إنما هم خفية، وببيت المقدس خلق من الكرامية لهم خوانق ومجالس ولا ترى به مالكياً ولا داودياً، وللأوزاعية مجلس بجامع دمشق والعمل كان فيه على مذهب أصحاب الحديث، والفقهاء شفعوية وأقل قصبة أو بلد لبس فيه حنفي، وربما كانت القضاة منهم قال: واليوم اكثر العمل مذهب الفاطمي.
ووصف ابن جبير المذاهب المتغلبة على الشام في القرن السادس فقال: وللشيعة في هذه البلاد أمور عجيبة وهم أكثر من السنيين بها وقد عموا البلاد بمذاهبهم، وهم فرق شتى منهم الرافضة وهم البسبابون ومنهم الإمامية والزيدية وهم يقولون بالتفضيل خاصة. ومنهم الإسماعيلية والنصيرية يزعمون الإلهية لعلي رضي الله تعالى عنه. ومنهم الغُرابية وهم يقولون: إن علياً رض كان أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الغراب بالغراب، وينسبون إلى الروح