البغدادي: إن الذين وضعوا أساس دين الباطنية كانوا من أولاد المجوس، وكانوا مائلين إلى أسلافهم، ولم يجسروا على إظهاره خوفاً من سيوف المسلمين، فوضع الأغمار منهم أساساً من قبله صار في الباطن إلى تفضيل أديان المجوس، وتأولوا آيات القرآن وسنن النبي عليه الصلاة والسلام على موافقة أساسهم. ولما تأولت أصول الدين على الشرك احتالت أيضاً لتأويل أحكام الشريعة على وجوه تؤدي إلى رفع الشريعة أو إلى مثل أحكام المجوس.
وذكر أنه خرج منهم أناس بالبحرين والقطيف والأحساء ومنهم من ظهر في طريق الحجاز واستولى على مكة. ومنهم من ظهر بالقيروان واستولى بأتباعه على بلاد المغرب. ومنهم من استولى على هجر. ومنهم من ظهر باليمن وقتل الكثير من أهلها. ومنهم من خرج بالشام وهو أبو القاسم بن مهرويه. وأن زعيمهم الأول ميمون بن ديصان كان مجوسياً أولاً. ومنهم من نسب الباطنية إلى الصابئين الذين هم بحران، واستدل على ذلك حمدان قرمط داعية الباطنية بعد ميمون بن ديصان كان من الصابئة الحرانية. واستدل على ذلك أيضاً بأن صابئة حران
يكتمون أديانهم ولا يظهرونها أحلافهم إياه على أن لا يذكر أسرارهم لغيرهم. قال عبد القاهر: الذي يصح عندي من دين الباطنية أنهم دهرية زنادقة يقولون بقدم العالم وينكرون الرسل والشرائع كلها لميلهم إلى استباحة كل ما يميل إليه الطبع. والأرجح أن المحور الأعظم الذي تدور عليه الباطنية هو مسائل الملك والسلطان وهي أشبه من بعض الوجوه بالطريقة الماسونية.
وعلى الجملة فإن منشأ هذه المذاهب خلافة علي بن أبي طالب، وطلب شيعته باسمه الملك فغالوا فيه مغالاة عظيمة حتى أخرجه بعضهم عن البشرية. وقد كان أكثر أهل الشام في القرون الثلاثة الأولى للإسلام على ما يظهر من مذاهب النصارى، والمسلمون اقل منهم. ولقد انتهى الحال بجميع القبائل القديمة في الشام مثل بني كلاب وبني جذام وبني عاملة أن دانوا بالإسلام ولم يتخلف عنهم بادئ بدء سوى تنوخ في حلب وتغلب في شمالي شرقي تدمر. ولما مر السائح ويليبالد في القرن الأول للهجرة بحمص كانت نصف