لما كانت مدن الساحل معرضة لهجمات الأعداء كل حين، وكانت الزلازل قد نولت عليها كثيراً وظلت مرسحاً للجيوش الصليبية مدن قرنين أصاب الجوامع والمساجد فيها ما أصاب غيرها من العمائر، فليس في الإسكندرونة اليوم سوى جامعتين وفي عمالتها بعض المساجد الحقيرة، وكذلك الحال في السويدية واللاذقية والمرقب وطرطوس وجبلة وبانياس وطرابلس وجبيل وبيروت وصيدا وصور
وعكا وحيفا ويافا وغزة، خربت جوامعها ومساجدها وعمرت غير مرة في الإسلام. ففي اللاذقية اليوم عدة مساجد وفيها جامع جميل مطل عليها من الهضبة المطلة على الثغر ولها منارة جميلة. وأهم جوامع اللاذقية جامع المغربي ومن جوامعهم جامع جديد والكبير المنصوري وأرسلان باشا والصليبة وصوفان والشيخ ضاهر وجامع الاسكلة والشواف والصغير، وفي اللاذقية اثنا عسر مسجداً غير هذه الجوامع. وفي جبلة جامعان وهما جامع السيد إبراهيم والمنصوري ومن مساجدها القنطاري وبني علي أديب والغزالي والأكراد وجامع واحد في بانياس، وفي طرطوس جامع كان على عهد الصليبيين كنيسة كاتدرائية، وفي صافيتا جامع وثلاثة مساجد في جوارها.
وفي طرابلس عدة جوامع ومساجد ومعظمها من آثار المماليك البحرية والجراكسة، وما تجدد بعدهم فقليل جداً بالنسبة لآثارهم في هذه المدينة، وأكثرها لم يذكر عليه اسم بانيه. ولا ريب أن البواعث كانت دينية محضة ورغبة في ثواب الله بدار الآخرة فكان عدم ذكر الباني على البناء أبعد عن السمعة والرياء، وكان الأمير أو المتمول منهم إذا شيد مسجداً للصلاة جعل في أحد أطرافه مشهداً ليدفن فيه عند موته ولم يزل إلى الآن كثير من قبور المماليك الرخام محفوظاً في المساجد التي أقاموا على الطراز المخصوص بهم كأن يجعلوا في كل زاوية من زوايا القبر قاعدة بارتفاع ثلاثين سانتيماً وأعلاها كروي. وللمماليك من نوع هذه القبور في دمشق صنوف. وإن ما بقي إلى اليوم من الفسيفساء في محاريب تلك المساجد وجدرانها آية في الإبداع وحسن الصناعة.