وأحكامها العادلة، ومعاهداتها مع الأمم المجاورة، انتبه التجار إلى التجدد في متاجرهم. ولا نعد تاجراً من يحرق مخزنه أو ما فيه ليربح ضمانه من الشركة الضامنة، أو يتلكأ في أداء الذمم التي عليه، أو يضارب في الأسواق فيؤذي الفقير. أو يعامل صاحب المعمل في الغرب بقليل من الذمة فيتلاعب في الأسعار
والصوافي، فإن هذا مما يؤخر الصادر عنا والوارد علينا، وفي كل ذلك ما يزيد الغبن ويورث الخسارة في العاجلة والآجلة لا محالة.
ولقد ثبت في العهد الأخير، وخصوصاً لما أخذ المسلمون يجارون مواطنيهم المسيحيين في تعلم اللغات الغربية، ويتقنون أصول التجارة على أساليب أُمم الحضارة، ويتعرفون إلى أوضاعهم الجديدة في استثمار أموالهم في مصارف خاصة بهم، أن الغربيين يتعذر عليهم أن يتوسعوا بعد في الاتجار في القطر، وفتح بيوت تجارية على المثال الذي كان لهم وحدهم في القرن الماضي، وقطع أرزاق الشاميين في عقر دارهم. ذلك لأن التاجر الوطني أقل من التاجر الغربي في مطالبه، يكتفي بالربح القليل، ويصبر في الأزمات، وهو في بلده يعرف ما يصلح له ويروج فيه، ونفقاته إجمالاً أقل من نفقات الغريب. وإذا تساوى الوطني والدخيل من كل وجه، فالوطني يؤثر معاملة مواطنه لا محالة.
وإذا جارى التاجر العربيّ التاجر الغربيّ أو كاد، تجلت في ابن الشام أخلاق التجارة، والنفوذ في قاعدة العرض والطلب، وبدا في هذا الميدان ذاك الشرف المغيب الذي كان كامناً في نفسه، وورثه مع الدم المتسلسل فيه من آبائه الأقدمين، عرباً كانوا أو روماً أو فينيقيين، وبذلك أصبح الرجاء معقوداً بأن يستأثر الشاميون بتجارة ديارهم. فإن تعلموا باختلاطهم بالأمم الحية ما ينقصهم من ضبط ونظام، وساعدهم على ذلك قلة من يأتي من الغرب من أرباب الطبقات الأولى في التجارة، وكان التاجر المتوسط الحال بماله ومعرفته منهم أقل حظاً ممن يماثله من الشاميين في أسواق المتاجرات، وإذ كان من البعيد على النوابغ من كل صنف في الغرب أن يَغْشوا بلادنا كان في ذلك كله النفع العظيم لنا في تجارتنا، ومتى حللنا روح الشامي وما انطوى عليه من مراعاة الشرف والاحتفاظ بالثقة، والبعد عن التدليس