ومن أهم الفوائد التي نتجت للشاميين من تعلم اللغات الأجنبية كالفرنسية والإنكليزية، أن كان من هؤلاء المتعلمين وأكثرهم من غير المسلمين عمال لتجارة الواردات من الغرب. واستأثر المسلمون بتجارة الصادرات فكان منهم تجار شاميون في الإسكندرية وطنطا والقاهرة والسودان والآستانة وإزمير، وكل بلد في الأرض مهما بعدت الشقة إليه ترى فيه تجاراً شاميين وأنجح تجارهم في مصر والأميركتين وأوستراليا. ولنا تجار في العراق والحجاز وفارس والهند ويابان وجنوبي إفريقية وأواسطها على نحو ما وصفنا شاعر النيل حافظ إبراهيم:
ورجال الشام في كرة الأرض ... يبارن في المسير الغماما
ركبوا البحر جاوزوا القطب فاتوا ... موقع النيرين خاضوا الظلاما
يمتطون الخطوب في طلب العي ... ش ويبرون للنضال سهاما
ومن أهم المواسم التي كانت في فصل مخصوص من السنة تدب فيه روح الحركة في التجارة موسم السياح، فكان سياح الغرب يأتون أوائل الربيع لزيارة الأماكن المقدسة والمصانع التاريخية في فلسطين وبعلبك وتدمر ودمشق وغيرها ويقدرون بخمسة آلاف سائح كل سنة عل الأكثر إلى المدن الوسطى والشمالية وبأكثر من ذلك إلى فلسطين فقط، والموسم الآخر موسم حجاج إفريقية وآسيا وأوربا وكانوا يقدرون بخمسين ألف حاج، والفضل في ذلك يرجع لسهولة المواصلات البرية في السكة الحجازية، ولرخص أجور البواخر في البحر. وموسم الحج بطل بالحرب فنزل معدل من يزورون الشام ويتجرون ويبتاعون. أما موسم فلسطين فإن كثيراً من تجارها أصبح رزقهم موقوفاً على ما يربحونه في موسم الزوار في القدس وبيت لحم والخليل والناصرة وغيرها، وبدأ الشرق العربي يربح كثيراً من السياح الذين يختلفون إلى ذاك الصقع لزيارة جرش وعمان والبتراء وقر المشتى وغيرها، كما تربح سورية ولبنان من القاصدين إلى زيارة بعلبك وتدمر وغيرهما، وصار لموسم الاصطياف في لبنان الغربي والشرقي مكانة اقتصادية ذات شأن كبير في تنشيط الصناعة والتجارة. ومتى انتشر الأمن في القطر، وكثرت الخطوط الحديدية في البر، والسفن التجارية في البحر، وحمت الحكومة التجارة بقوانينها