والمؤالسة، وإرادة النصح في الجملة، كان التاجر كل التاجر، الذاهب في
الأرض بجماع المفاخر، باستقامة تاجرنا في معاملته، يدفع عن وطنه كثيراً من الغوائل الاجتماعية، ولا يهنأُ العيش ويطيب، إلا إذا قلّ توافد الغريب من الجنس الذي قال فيه حافظ:
يُقتّلنا بلا وقَوَدٍ ... ولا دِيةٍ ولا رَهَب
ويمشي نحو رايته ... فتحميه من العطب
نشبت الحرب العامة سنة 1914 ولم تكن الشام على استعداد للدخول في غمارها، ولم تأخذ الأهبة الكافية لمقاومة طوارئها، وما لبثت الدولة العثمانية والبلاد الشامية التابعة لها أن دخلت في صفوف المحاربين إلى جانب الدولة الألمانية وحلفائها، فحصرت مواني الشام، وبدأت أسعار البضائع ترتفع تدريجياً، وذلك في أصناف الملبوسات كأنواع منسوجات القطن والصوف على اختلاف أنواعها، أو في المأكولات كأنواع السكر والقهوة والأرز، أو في سائر الحاجيات والكماليات كالبترول الكاز والكحول السبيرتو وأنواع المواد القرطاسية والزجاجية والأصباغ والمواد الكيمياوية على اختلاف أنواعها، وشعر الناس بالحاجة إلى الاقتصاد والتفكر في استجلاب هذه الأصناف من البلاد المجاورة بقدر الإمكان.
وقد اشتدت الأزمة الاقتصادية بفقدان الأيدي العاملة أيضاً من المدن والقرى، بسبب النفير العام والتجنيد في جميع أصقاع الشام، وكان من تخلصوا من التجنيد الإجباري هم الذين لم يتدربوا على التعليم العسكري فدفعوا بدلات نقدية مرات خلال أعوام الحرب. وكانت هذه البدلات تكلف مبالغ طائلة في السنين الأخيرة، وأعلنت الدولة العثمانية بعد دخولها الحرب قانون تأجيل الديون بقواعد مخصوصة أقرتها.
ولم يلبث الضيق أن عمّ والنقد أن قلّ وخصوصاً بعد أن وضعت السلطة العسكرية يدها على جميع وسائط النقل في البلاد مثل السكك الحديدية ودواب