فما
معنى ذلك وما هو مبلغه من الصحة؟ أما كون الشام محض أرض زراعية فلأنها لا كبير منتوج فيها سوى منتوجات الأرض فهي إذا لم تقس بغيرها تعد قطراً زراعياً ذا شأن كبير. أما إذا قسناها ببعض الممالك الأوربية حيث الأرض خضراء دائماً، والمحاصيل كبيرة بسبب كثرة الأمطار في كل فصول السنة، أو لو قيسنا بينها وبين بعض الأقطار التي فيها أنهار عظيمة تسقي بمياهها ملايين من الهكتارات كمصر اليوم وعراق الغد، إذن لوجدنا أن الشام ليس لها شأن عظيم حتى من وجهة الزراعة لأنها ما برحت ولن تبرح أرض حبوب شتوية كالحنطة والشعير تنتج بالقليل من المطر الذي يهطل فيها. أما الأشجار المثمرة والأقطان والخضر فمقامها في الدرجة الثانية لما تتطلبه من الري على حين لا تروي أنهار الشام مساحات واسعة على ما سيجيء ذكره. ونقول لمن جعلوا ديدنهم التنويه بأن الشام من أعظم الأقطار التي تنتج أقطانا أنهم مدفوعون إلى دعايتهم هذه بعوامل سياسية، لأن القطن في الشام لا يمكن أن يكون له المقام الأول بين الزروع ما دامت معظم سهول هذا القطر لا تروى إلا بما تجود به السماء من المطر القليل الذي يكاد لا يكفي لحياة الحنطة والشعير. ويجب أن لا يتخذ القطن الإدلبي مثلاً لأن صنفه من أردإ الأصناف، ولأن منطقة إدلب وأشباهها ليست سوى جزء صغير من سهول الشام الواسعة الأرجاء. وقولي هذا لا ينفي كون زرع القطن مفيداً اقتصادياً في كل مكان يستطيع أن ينجب فيه. فمما تعنينا معرفته أن الأمكنة التي يستطيع أن ينجب فيها صغيرة إذا قيست بمجموع أراضي الشام الزراعية.
ولئن لم تجعل الطبيعة للشام حظاً كبيراً من المطر والأنهار التي تستطيع أن تروي مساحات واسعة، فلقد جادت عليه بتربة من أجود الأتربة. وهاك خلاصة ما تجب معرفته:
أولاً: تراب أهم سهول الشام طيني كلسي أكثر قرى حوران والغوطة وسهول
سلمية وحمص وحماة وبساتين حارم الخ. . . وتراب بعضها طيني رملي بعض قرى الغور والبقاع الخ. وتراب بعض آخر رملي طيني بعض قرى الساحل والسهول الشرقية القريبة من البادية. ومن المعلوم أن بناء هذه الأنواع الثلاثة يعد جيداً لا سيما الأول منها.