من أغراضهم كانوا أشد أعدائك, ثم يعدون ترددهم إليك دالة عليك, ويرونه حقا واجبا لديك, ويعرضون عليك أن تبذل عرضك وجاهك ودينك لهم, فتعادي عدوهم, وتنصر قريبهم وخادمهم ووليهم, وتنتهض لهم سفيها, وقد كنت فقيها, وتكون لهم تابعا خسيسا, بعد أن كنت متبوعا رئيسا, ولذلك قيل: اعتزال العامة, مروءة تامة.
قال: فهذا معنى كلامه وإن خالف بعض ألفاظه, وهو حق وصدق فإنك ترى المدرسين في رق دائم, وتحت حق لازم, ومنة ثقيلة ممن يتردد إليهم, فكأنه يهدي تحفه إليهم, فيرى حقه واجبا عليهم, وربما لا يختلف إليه ما لم يتكفل برزق له على الإدرار.
ثم إن المدرس المسكين قد يعجز عن القيام بذلك من ماله, فلا يزال يتردد إلى أبواب السلاطين يقاسي الذل والشدائد مقاساة الذليل المهين, حتى يكتب له على بعض وجوه السحت مال حرام, ثم لا يزال العامل يسترقه ويستخدمه ويمتهنه ويستذله إلى أن يسلم إليه ما يقدره نعمة مستأنفة من عنده عليه, ثم يبقى في مقاساة / القسمة على أصحابه, إن سوى بينهم مقته المبرزون, ونسبوه إلى الحمق, وقلة التمييز, والقصور عن درك مصادفات الفضل, والقيام في مقادير الحقوق بالعدل, وإن فاوت بينهم سلقه السفاء بألسنة حداد, وثاروا عليه ثوران الأسود والآساد, فلا يزال في مقاساتهم في الدنيا, وفي مظالم ما يأخذه ويفرقه في العقبى. والعجب أنه مع هذا البلاء كله تمنيه نفسه بالأباطيل, وتدليه بحبل الغرور, وتقول له: لا تفتر عن صنيعك فإنما أنت بما تفعله مريد وجه الله, ومذيع شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وناشر علم دين الله, وقائم بكفاية طلاب العلم من عباد الله, وأموال السلاطين لا مالك