وبذلك تعلم أن هذه الشبهة وما شابهها قد يكون لها في الظاهر شيء من البريق والوجاهة لكن عند التأمل في محتواها يتبين للعاقل أنها في أحط دركات السفاهة والتفاهة، وهذا هو سبيل أهل الزيغ والضلال، تزيين زندقيتهم بمعول من الأقوال، ليخدعوا بذلك بعض قاصري النظر من نساء ورجال، روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن الجوزيّ في كتاب الأذكياء – عليهما رحمة الله تعالى – أن أبا الهُذيل قال: أول ما ناظرت ولي أقل من خمس عشرة سنة، بلغني أن رجلا ً يهودياً قدم البصرة، وقد قطع عامة متكلميهم، فقلت لعمي: يا عم، امض بي إلى هذا اليهودي أكلمه، فقال لي: يابني هذا اليهودي قد غلب جماعة متكلمي أهل البصرة، فمن أخذك أن تُكلم ما لا طاقة لك بكلامه؟ فقلت له: لابد من أن تمضي بي إليه، وما عليك مني غلبني أو غلبته، فأخذ بيدي ودخلنا على اليهودي، فوجدته يقرر الناس بنبوة موسى – علي نبينا وعليه الصلاة والسلام – ثم يجحدهم نبوة نبينا – صلى الله عليه وسلم – ويقول: نحن على ما اتفقنا عليه من صحة نبوة موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – إلى أن نتفق على غيره، فنقر به، قال أبو الهذيل: قد خَلْتُ عليه، فقلت له: أسألك أو تسألني؟ فقال لي: يا بنيّ أوَ ما ترى ما أفعله بمن هو أكبر منك؟ فقلت له: دَعْ عنك هذا واخْتَرْ، إما أن تسألني، أو أسألك؟ قال: بل أسألك، خبرني أليس موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – نبياً من أنبياء الله قد صحت نبوته، وثبت دليله؟ [وثبت دليله] تُقِرُ بهذا، أو تجحده فتخالف صاحبك؟ فقلت له: إن الذي سألتني عنه عن أمر موسى – علي نبينا وعليه الصلاة والسلام – عندي على أمرين، أحدهما: أني أقِرُ بنبوة موسى الذي أخبر بصحة نبينا، وأمَرَ باتباعه، وبشر به وبنبوته، فإن كان عن هذا تسألني فأنا مُقِر بنبوته، وإن كان موسى الذي تسألني عنه لا يُقِرُ بنبوة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – ولم يأمر باتباعه ولا بشر به، فلست

طور بواسطة نورين ميديا © 2015