وهذه الشبهة يقال: إنها وقعت زمن أمير المؤمنين هارون الرشيد – عليه رحمة الله تعالى – حيث كتب إليه ملك الهند: هل يقدِر الخالق – جل جلاله – أن يخلُق مثله؟ فسأل هارون الرشيد أهل العلم عن ذلك، فبدر شابٌ فقال: هذا السؤال محال؛ لأن المخلوق مُحدَث، والمُحدَث لا يكون مثل القديم، فاستحال أن يقال: يقدَر أن يَخْلُق مثله، أو لا يقدر، كما يستحيل أن يقال في القادر العالم: يقدِر أو يصير عاجزاً

جاهلا ً (?) .

وحاصل تلك الشبهة أنها باطلة متهافتة ينقضُ بعضها بعضاً؛ وذلك لأن الرب – جل وعلا – هو الأول الذي ليس قبله شيء، فكيف سيكون المخلوق بعده مثله؟ هذا تناقض واضح، وهذيان مكشوف، فالمخلوق المدلول عليه في تلك الشبهة المنكرة بـ "يَخْلُقُ" حادث والله – جل جلاله – قديم فأنى يكونان متماثلين؟

ولذلك كان ذلك السؤال من قبيل الهذيان، وساقط الكلام، ولا يقال في الجواب عليه: نعم أو لا، لأن السؤال متناقض فاسد، إنما يصحح للمشتبه السؤال، ليزال عنه الغباء والضلال، ويبين له أن مُتعلِّق قدرة الله – تبارك وتعالى – الممكنات وهي التي يتصور وجودها وعدمها فتنفذ قدرة الله – جل وعلا – ما شاء الله – جل جلاله – من ذلك، أما الواجبات، وهي: ما لا يتصور في العقل عدمها فلا تعلق للقدرة بها لأنه لا يصح إعدامها لأنها لا تقبل العدم ولا يصح أيضاً إيجادها لأنها موجودة، فإيجادها تحصيل حاصل، وكما لا تعلق للقدرة بالواجبات فلا تعلق لها أيضاً بالمستحيلات وهي: ما لا يتصور في العقل، فلو تعلقت القدرة بالمستحيل لما صح إيجاده، لأنه لا يقبل الوجود، ولا يصح أيضاً إعدامه، لأنه معدوم، وذلك تحصيل حاصل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015