والنزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح، فاستغرق جميع أجزائه حتى لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشر في أعماق البدن إلا وقد حل به الألم، فلو أصابته شوكة فالألم الذي يجده إنما يجري في جزء من الروح يلاقي ذلك الموضع الذي أصابته الشوكة، وإنما يعظم أثر الاحتراق لأن أجزاء النار تغوص في سائر أجزاء البدن فلا يبقى جزء من العضو المحترق ظاهراً وباطناً إلا وتصيبه النار فتحسه الأجزاء الروحانية المنتشرة في سائر أجزاء اللحم، وأما الجراحة فإنما تصيب الموضع الذي مسه الحديد فقط، فكان لذلك ألم الجرح دون ألم النار، فألم النزع يهجم على نفس الروح ويستغرق جميع أجزائه، فإنه المنزوع المجذوب من كل عرق من العروق، وعصب من الأعصاب وجزء من الأجزاء، ومفصل من المفاصل، ومن أصل كل شعرة وبشرة من الفرق إلى القدم، فلا تسأل عن كربه وألمه، حتى قالوا: إن الموت لأشد من ضرب السيف، ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلم لتعلقه بالروح، فكيف إذا كان المتناول المباشر نفس الروح، وإنما يستغيث المضروب ويصيح لبقاء قوته في قلبه، وفي لسانه، وإنما انقطع صوت الميت وصياحه مع شدة ألمه لأن الكرب قد بالغ فيه، وتصاعد على قلبه، وبلغ كل موضع فهد كل قوة، وضعف كل جارحة فلم يترك له قوة الاستغاثة، أما العقل فقد غشيه وشوشه، وأما اللسان فقد أبكمه، وأما الأطراف فقد ضعفها، ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح والاستغاثة ولكنه لا يقدر على ذلك، فإن بقيت فيه قوة سمعت له عند نزع الروح وجذبها خواراً وغرغرة من حلقه وصدره، وقد تغير لونه واربد حتى كأنه ظهر منه التراب الذي هو أصل فطرته، وقد جذب منه كل عرق على حياله، فالألم منتشر في داخله وخارجه، حتى ترتفع الحدقتان إلى أعالي أجفانه، وتتقلص الشفتان، ويتقلص اللسان إلى أصله، وترتفع الأنثيان إلى أعالي موضعهما، وتخضر أنامله، فلا تسل عن بدن يجذب منه كل عرق من عروقه، ولو كان المجذوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015