قال الإمام الغزال – عليه رحمة الملك الباري –: اعلم أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب ولا هول ولا عذاب سوى سكرات الموت بمجردها لكان جديراً بأن يتنغص عليه عيشه، ويتكدر عليه سروره، ويفارقه سهوه وغفلته، وحقيقاً بأن يطول فيه فكره، ويعظم له استعداده، ولا سيما وهو في كل نفس بصدده، كما قال بعض الحكماء: كرب بيد سواك، لا تدري متى يغشاك، وقال لقمان لابنه: يا بني أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفجأك، والعجب أن الإنسان لو كان في أعظم اللذات، وأطيب مجالس اللهو، فانتظر أن يدخل عليه جندي فيضربه خمس خشبات لتكدرت عليه لذته، وفسد عليه عيشه، وهو في كل نفس بصدد أن يدخل عليه ملك المموت بسكرات النزع، وهو عنه غافل فما لهذا سبب إلا الجهل والغرور.

واعلم أن شدة الألم في سكرات الموت لا يعرفها بالحقيقة إلا من ذاقها، ومن لم يذقها فإنما يعرفها بالقياس إلى الآلام التي أدركها، وإما بالاستدلال بأحوال الناس في النزع على شدة ما هم فيه.

فأما القياس الذي يشهد له، فهو أن كل عضو لا روح فيه فلا يحس بالألم، فإن كان فيه الروح فالمدرك للألم هو الروح، فمهما أصاب العضو حرج أو حريق سرى الأثر إلى الروح، فبقدر ما يسري إلى الروح يتألم، والمؤلم يتفرق على اللحم وسائر الأجزاء، فلا يصيب الروح إلا بعض الألم، فإن كان في الآلام ما يباشر نفس الروح، ولا يلاقي غيره ما أعظم ذلك الألم وما أشده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015