{ولولا فضل الله عليكم} قد أحاط بكم من كل جانب {ورحمته وأن الله رؤوف رحيم} لَمَا بيَّن لكم هذه الأحكام والمواعظ، والحكم الجليلة، ولما أمهل من خالف أمره، ولكن فضله ورحمته، وأن ذلك وصفه اللازم آثر لكم من الخير الدنيوي والأخروي، ما لن تحصوه، أو تعدوه.
ولما نهى عن هذا الذنب بخصوصه، نهى عن الذنوب عموماً فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان} أي: طرقه ووساوسه. وخطوات الشيطان، يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب، واللسان والبدن.
ومن حكمته تعالى، أن بيَّن الحكم، وهو: النَّهْيُ عن اتباع خطوات الشيطان. والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه، من الشر المقتضى، والداعي لتركه فقال: {ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه} أي: الشيطان {يأمر بالفحشاء} أي: ما تستفحشه العقول والشرائع، من الذنوب العظيمة، مع ميل بعض النفوس إليه. {والمنكر} وهو: ما تنكره العقول ولا تعرفه. فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان، لا تخرج عن ذلك. فنهى الله عنها العباد، نعمة منه عليهم، أن يشكروه ويذكروه، لأن ذلك، صيانة لهم عن التدنس بالرذائل، والقبائح.
فمن إحسانه عليهم، أن نهاهم عنها، كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها.
{ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً} أي: ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان، لأن الشيطان يسعى، هو وجنده، في الدعوة إليها وتحسينها، والنفس ميالة إلى السوء، أمارة به، والنقص مُسْتَوْل على العبد، من جميع جهاته، والإيمان غير قوي. فلو خُلِّي وهذه الدواعي، ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب، والسيئات، والنماء بفعل الحسنات، فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء. ولكن فضله ورحمته أوجبا، أن يتزكى منكم، من تزكى.
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها» ولهذا قال: