وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة، فحزنت حزناً شديداً، فأنزل الله براءتها في هذه الآيات. وَوَعظَ الله المؤمنين، وأعظم ذلك، ووصاهم بالوصايا النافعة. فقوله تعالى: {إن الذين جاؤوا بالإفك} أي: الكذب الشنيع، وهو رَمْيُ أم المؤمنين {عصبة منكم} أي: جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين، منهم المؤمن الصادق في إيمانه، لكنه اغتر بترويج المنافقين، ومنهم المنافق.
{ولا تحسبوه شراً لكم بل خير لكم} لما تضمن ذلك من تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها، والتنويه بذكرها، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد، التي ما زال العمل بها إلى يوم القيامة فكل هذا خير عظيم، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك. وإذا أراد الله أمراً جعل له سبباً، ولذلك جعل الخطاب عاماً مع المؤمنين كلهم. وأخبر أن قدح بعضهم ببعض، كقدح في أنفسهم. ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، واجتماعهم على مصالحهم، كالجسد الواحد، والمؤمن للمؤمن، كالبنيان يشد بعضه بعضاً. فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه، فليكره من كل أحد، أن يقدح في أخيه المؤمن، الذي بمنزلة نفسه، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة، فإنه من نقص إيمانه، وعدم نصحه.
{لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم} وهذا وعيد للذين جاؤوا بالإفك، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك، وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة.
{والذي تولى كبره} أي: معظم الإفك، وهو المنافق الخبيث، عبد الله بن أُبَيِّ ابن سلول، لعنه الله {له عذاب عظيم} ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار.
ثم أرشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام فقال: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً} أي: ظن المؤمنون بعضهم ببعض خيراً، وهو السلام مما رموا به، وأن ما معهم من الإيمان المعلوم، يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل.