وشاملٌ هذا المعنى آخر يفيده لفظ القدر، ألا وهو التضييق، ومنه قول الله جل وعلا {وَمَنْ قُدِرَ عليه رزقُه} أي ضُيّق عليه وأعطي بمقدار كفايته وهنا ليلة القدر أي ليلة التضييق، والتضييق يحصل من أمرين اثنين.

أولاً: من حيث إخفاؤها، فكتمها الله جل وعلا عن عباده وأمرهم بأن يجتهدوا ليوافقوها، ولا يُحصّل موافقتها إلا من رضي الله عنه وأنعم عليه ثم بعد ذلك حصل فيها تضييق من ناحية أن الأرض تضيق في تلك الليلة بالملائكة الكرام التي تنزل من عند ذي الجلال والإكرام.

إذن ليلة عظيمة فيها تضييق من وجهين، من حيث إخفاؤها ولم يعلم بها إلا قلة قليلة، ومن حيث ضيق الأرض بالملائكة الذين نزلوا من السماء عليها.

والقدر: يؤاخي القضاء، وهو المعنى الثالث، ويدل عليه، فهو بمعنى القَدَر، فهي ليلة التقدير، فـ {فيها يفرق كل أمرٍ حكيم} ولا تنافي هذا إخوتي الكرام مع ما تقدم معنا من أنه يقع في ليلة النصف من شعبان ما يشبه هذا بأن الله يقدِّر على كل نفس تموت في ذلك العام، ذلك التقدير في ليلة النصف من شعبان لا يتنافى هذا أبداً فهذه كتابات متلاحقة، وإعلامات متتابعة من الله للملائكة الموكلة بتدبير أمر هذا العالم.

فإذن ليلة القدر ليلة العظمة، ليلة التضييق من وجهين، ليلة التقدير.

هذه الليلة إخوتي الكرام: لها شأن عظيم عند الله جل وعلا، من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا القيام، عند أئمتنا الكرام ينبغي أن يصاحبه معرفة لليلة القدر، وعلم بها، وإذا قام ولم يوافقها فله أجر على قيامه لكن هذا الأجر المعيَّن، هذا الأجر المخصوص، لا يناله إلا من استبانت له ليلة القدر وظهرت له علاماتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015