ولا يشكلن عليك أخي الكريم ما أخبر الله جل وعلا به في هذه الآيات من أن القرآن نزل في شهر رمضان مع أن الواقع أنه نزل في ثلاث وعشرين سنة على نبينا عليه الصلاة والسلام لا يشكلن عليك ذلك أبداً لأن المراد من الإنزال كما قلت أمران: إنزال جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا وكان ذلك في شهر رمضان. وابتُدِأ إنزاله على نبينا عليه الصلاة والسلام وكان ذلك في شهر رمضان ثم فرّق بعد ذلك حسب الحوادث التي تقع في مستقبل الزمان، منزل في ثلاث وعشرين سنة على نبينا -عليه الصلاة والسلام -.
إخوتي الكرام: فهذا الشهر الكريم خصه الله بهذه النعمة العظيمة وجعله ظرفاً لها – فأعظم نعم الله على عباده نعمة القرآن نعمة بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام وذلك حصل في شهر رمضان –نعم – إن هذه النعمة كريمة، كريمة، كريمة بها عاش الإنسان عزيزاً كريماً ولوها لكان حيوناً حقيراً مهيناً بل لكان شيطاناً رجيماً بهذه النعمة التي زكى الله بها قلوبنا وعقولنا، وأبداننا وحفظنا من الظلالات والجهالات بهذه النعمة العظيمة صرنا خير أمة أخرجت للناس يحصل المؤمن سعادة الدنيا وسعادة الآخرة وهذه النعمة نزلت في هذا الشهر العظيم (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) .
إخوتي الكرام: وهذه النعمة هي أتم نعم الله على عباده، ونعم الله على عباده مهما تعددت وتنوعت لا تخرج عن نعمتين اثنتين ك نعمة خلق وإيجاد، ونعمة هداية وإرشاد ونعمة الله علينا بعمته الثانية أعلى وأتم من نعمته علينا بالنعمة الأولى:
ومن عظيم منة السلام ... ولطغة بسائر الأنام
أن أرشد الخلق إلى الوصول ... مبيناً للحق بالرسول
(لقد من الله على المؤمنين إذ بعثت فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) .