المعنى السادس: يقرر ما تقدم وهو سمع الأموات وفرحهم بما يجري عندهم من الطاعات، وحزنهم بما يجري عندهم من المخالفات والموبقات والمنهيات، إن معنى الحديث على القول السادس أن المراد من العذاب يعذب ببكاء أهله: أي يتألم ويتحسر ولا يشعر بارتياح ولذة ولا سرور، هذا كما يتألم الإنسان في هذه الحياة، عندما يرى المنكرات ينقبض قلبه وتشمئز نفسه وهنا عندما ينوح أهله عليه والنياحة معصية ويتسخطون على قدر الله عز وجل، ويستاء الميت ويحزن، وهذا المعنى ذهب إليه شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري وقد توفي سنة عشر وثلاثمائة للهجرة 310هـ، وقد رجحه أئمة كرام منهم، الإمام المرابط وهو من أئمة المالكية الكبار وله شرح لصحيح البخاري قد توفي سنة خمس وثمانين وأربعمائة للهجرة 485هـ محمد بن خلف، ورحمه قاضي عياض وتوفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة للهجرة 544هـ، وهذا القول نصره شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في مجلد الرابع والعشرين صفحة أربع وتسعين وثلاثمائة صـ394 وإليكم خلاصة كلامه العذب المحكم، يقول هذا الإمام المبارك أن العذاب أعم من العقاب ما قيل يعاقب ببكاء أهله عليه يعاقب عند الله ما قيل هذا، إنما قيل يعذب وما ورد في رواية المغيرة بن شعبة من أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه يوم القيامة، فيخرج كما تقدم معنى على التخريجات الأربعة المتقدمة فكونوا على علم بها، العذاب أعم من العقاب، فلو زاد يطلق على ما يؤلم الإنسان ويحزنه ويشتد عليه وأن عقوبة عند الله عز وجل ثم قرر الإمام ابن تيمية هذا بنصوص كثيرة، منها حديث النبي عليه الصلاة والسلام، [السفر قطعة من العذاب] ، وليس بعذاب في الآخرة إنما قطعة من المشقة والألم والشدة والكرب والحزن.