وقد أشار إلى هذا نبينا عليه الصلاة والسلام، ففي مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير، والحديث رواه أبي عاصم وإسناده صحيح، قال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في (المجمع) رجاله رجال الصحيح، قال إلا أبا عُشانه وهو ثقة، وأبو عشانه اسمه حيي بن يُؤمِن المصري توفي سنة ثماني عشرة ومائة للهجرة 118هـ، وحديثه في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري وقد أخرج له السنن الأربعة إلا الإمام الترمذي عليهم رحمة الله، فالحديث صحيح، ولفظ الحديث من رواية عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي قال: [أول من يختصم بين يدي الله جل وعلا جاران متجاوران لا تناصحاهم ولا يتواصيان بالحق ولا يتواصيان بالصبر] والخصومة تقع بينهما أمام الله عز وجل، إذا كانت الخصومة ستقع بينك وبين جيرانك إذا تركتم النصح فيما بينكم فمن باب أولى، إنك ستحتمل عقوبة أهلك إذا ما نصحتهم وحذرتهم وزجرتهم عن النياحة والبكاء عليك بعد موتك، هذا المعنى الثاني وهو أيضاً حق مقبول مبرور.
والمعنى الثالث: قرره أئمتنا أيضاً وهو حق، (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) أي يعذب به بنظير ما يبكيه به أهله إذ كان ذلك الفعل الذي يُبكى عليه من أجله معصيته لربه جل وعلا، وهذا يقومون لبعض الأمور العظيمة في هذه الحياة، لكن على غير هدى رب الأرض والسماوات، فيثني على الزعيم إذا مات بأنه وطني وأنه كان يحرص على مصلحة الوطن، وهذا يزيده بكاءً ويعذب عليه عند الله عز وجل يثني أيضاً على الإنسان بأنه كريم لكنه كان ينفق ماله في معصية رب العالمين، يثني على الإنسان بأنه كان يتصف بالشجاعة لكن ذلك في غير الطاعة، مات وقد أثنى عليه الناس ثم تذكر هذه الأشياء وبكوا عليه كان حريصاً على وطنه، كان كريماً، كان شجاعاً، لكن كل هذا على غير شرع الله فالناس يذكرونه بهذا المأثر على زعمهم ويحزنون عليه ويبكون لفقده بسبب هذه الأشياء، وهو يعذب عليها عند الله عز وجل، وما أكثر ما يقع هذا في هذه الأيام.