والمعنى الثاني: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، بما ينوح به أهله عليه إذا علم من عاداتهم أنهم ينوحون يبكون ويعترضون على الحي القيوم، وما أوصاهم في حياته أو عند احتضاره بعدم النياحة عليه وما حذرهم من ذلك وزجرهم عنه، فإذا مات وناحوا عليه يعذب عند الله عز وجل، لأنه عليه أثم المعصية حيث ترك تربية أهله ونصحهم وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله جل وعلا يأمرنا أن نتقيه وأن ننشئ أهلنا على تقواه، يقول جل وعلا في سورة التحريم {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شدادٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} قوا أنفسكم وأهليكم ناراً: أي علموها الخير، وهكذا علموا أهلكم الخير، تعلموا الخير وعلموه، واعملوا به، كما ثبت هذا التفسير عن علي رضي الله عنه في تفسير الطبري ومستدرك الحاكم، وفي مصنف ابن أبي شيبة وسنن سعيد بن منصور، وتفسيره وغيرهم {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} علموا أنفسكم وأهليكم أمور الخير، وثبت في تفسير عبد ابن حميد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، قال علموا أهلكم وأدبوهم فأنت مسؤول عنهم، فينبغي أن نحذرهم من كل معصية، فإذا حذرتهم وفعلوا ذلك فلا أثم عليك، وإذا لم تحذرهم فقد شاركتهم في تلك المعصية لأنك ما نصحتهم عنها وما زجرتهم عنها، (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) هذا التأويل الثاني، وهو تأويل أيضاً حق، مقبول مبرور، لأنه إذا ترك النهي أهله عن هذا المنكر الذي يفعله أهله، إذا ترك النهي عنهم فقد شاركهم في ذلك وأقرهم عليه، وقد أخبرتنا نصوص الشريعة المطهرة أن الإنسان إذا فرط فيما يجب عليه من نصح وأمر بمعروف ونهي عن منكر يحاسب على ذلك عند الله عز وجل، ولذلك أول من يختصم عند الحق جل وعلا جاران ملتصقان في السكن في هذه الحياة، أول خصومة تقوم بين جار في تذكره في التواصي بالحق والتواصي بالصبر.