اخوتي الكرام: وتثنية الجنة هنا يراد منه حقيقته وما شذ به النزاع فقال: إن الجنة الواحدة تكون للسابقين وجنة ثانية تكون لأصحاب اليمين وثني هذا اللفظ على عادة العرب في تثنية الجنة ولا يوجد في الحقيقة جنتان، فهذا لبسط وصفصفة كما رد عليه أئمتنا الكرام وكل هذا باطل لا يجوز أن يعول عليه فهو خلاف القرآن وخلاف ما أخبر به نبينا - صلى الله عليه وسلم - لدخول مؤمني الجن الجنة كما يدخل مؤمني الإنس الجنة لأن الله جل وعلا يقول لمعشر الإنس والجن {فبأي آلاء ربكما تكذبان * ولمن خاف مقام ربه جنتان*} .
وهذا هو المعتمد عند أهل السنة الكرام في مؤمن الجن من أقوال أربعة، قيلت في ذلك هذا أرجحها وهو المعتمد فيها وقيل إنهم يكونون في ربط الجنة ولا يتمتعون كما نتمتع به ونراهم ولا يروننا كما أنهم في الدنيا يروننا ولا نراهم ولا دليل يدل على ذلك وقيل أنهم يكونون على الأعراف، وقيل تتوقف في شأنهم ونكل أمرهم إلى ربهم جل وعلا، وقد دل ظاهر القرآن على أمرهم يدخلون غرف الجنان إذا آمنوا بالرحمن كما هو الحال في بني الإنسان {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} ثم قال جل وعلا: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} أي يا معشر الإنس والجن، ولذلك لما تليت هذه الآيات من سورة الرحمن على الجن كانوا حتى أحسن جواباً فقالوا: ولا بشيءٍ من آلائك ربنا نكذب، فلك الحمد {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} .
وقد قرر هذا الكلام اخوتي الكرام أئمتنا الكرام في كتب التوحيد ومن أراد أن يتوسع في هذه المسألة ينظر كتاب (آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان) للإمام الصالح محمد بن عبد الله أبي عبد الله الشبلي الذي توفي سنة تسعة وستين وسبعمائة للهجرة 769هـ وهو من تلاميذ شيخ الإسلام الإمام بن تيمية وكان من القضاة الصالحين في بلاد الشام، ألف كتاباً كبيراً في ما يتعلق بالجن (آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان) .