ومثل هذا قوله تعالى في سورة الأحقاف بعد أن ذكر إهلاكه لقوم عاد: {فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارضٌ ممطرنا * بل هو مستعجلتم به ريحٌ فيها عذابٌ أليم * تدمر كل شيءٍ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين * ولقد مكنَّهم فيما إن مكنَّكم فيه وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدةً فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيءٍ إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون} (?) .
ومثل هذا قوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (?) .
ومثل هذا قوله تعالى في سورة الملك مخبراً عن أهل النار كيف يشهدون على أنفسهم عندما يلقون في النار بأنهم ما كانوا يعقلون ولا يسمعون: {وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير * إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور * تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوجٌ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيءٍ إن أنتم إلا في ضلالٍ كبير * وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير} (?) .
وهنا قول الله الجليل: {إنك لا تسمع الموتى} إما أن يراد بهم موتى القلوب، وإذا قلنا إن المراد من الموتى الأبدان فهذا مثل لموتى القلوب، {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير} .
نعم إن الإنسان إذا لم ينتفع بقلبه ولم ينتفع بسمعه وببصره صح نفي ذلك عنه وهو في حكم ودركة البهيمة، واعلم بأن عصبته الجهال بهائم في صورة الرجال:
أبُنيِّ إن من الرجال بهيمة في ... صورة الرجل السميع المبصر
فطن بكل مصيبة في ماله ... وإذا أصيب بدينه لم يشعر